من دون الحاجة إلى الدخول في تفاصيل ما جاء في خطابه الأسبوعي، يمكن أن يرى من يقرأه، وبسهولة أن الرئيس الأميركي جورج بوش تعمد الغوص في أعماق الأزمة المالية الأميركية، وعوضا عن ذلك، طرح ما أطلق عليه «خطة الإنقاذ» الهادفة إلى معالجة أسوأ أزمة تضرب الأسواق المالية منذ عقود، ملخصا إياها في «توفير موارد مالية بقيمة 800 مليار لإعادة شراء جزء كبير من الديون المشكوك في تحصيلها والمتعلقة بسوق الرهون العقارية»، من دون أن يخفي أن من سيتحمل ذلك هم الطبقة المتوسطة من الشعب الذين يشكلون الشريحة الأكبر من دافعي الضرائب، محذرا من أن هذا الحل أفضل بكثير من أية خيارات أخرى قد تؤدي إلى «فقدان الوظائف على نطاق واسع وانهيار حسابات التقاعد».
وبالتالي، كأن الرئيس الأميركي، بعد أن يبسط الأمور، كما عودنا، حتى التسطيح، يعود كي يخفي المسئولية عما اقترفته إدارته من سوء تخطيط، ورداءة تنفيذ على المستويات كافة، ويدعو الطبقة المتوسطة الأميركية، التي لم تكن لها يد في ذلك، كي تتحمل وزر كل تلك التخبطات.
لكن من يريد أن يستخلص الدروس، ويستخرج العبر من تلك الأزمة، فبوسعه أن يلحظ وبوضوح ما يأتي:
1 - خطورة الانتعاش المالي المؤقت الذي تولده القروض السهلة الهادفة إلى تحصيل فوائد سريعة.
2 - فشل الحلول الآنية، القصيرة المدى، الأحادية الأهداف في معالجة الأزمات المستعصية البنيوية، كتلك التي تعصف بالاقتصاد الأميركي، من نمط تسديد الدولة جزءا من قيمة الديون المتراكمة على المؤسسات المالية المقرضة (بكسر الراء)، فهي بمثابة المسكنات الآنية التي تخفف الآلام، من دون أن تعالج الأسباب، وهذا ما لمسناه في سياسة الحكومة الأميركية في تعاطيها مع الأزمة الأخيرة، عندما أنعشت شركة أي آي جي (AIG)، بضخ 85 مليار دولار لشراء ما يقرب من 85 من موجوداتها.
3 - فشل قدرة أي نظام عالمي، على المستويين السياسي والاقتصادي، الأحادي القطب، وخطورة الترويج لمآثره ومزاياه. فمثل ذلك يضع العالم برمته أمام خيار واحد فحسب، يقود العالم، وينقل أية كارثة تلم به إلى باقي اقتصادات العالم. وبالتالي، فمن المنطقي أن يقودنا ذلك إلى خطأ الثقة العمياء في زعيم ذلك النظام الأحادي، كما شاهدنا في نموذج الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، التي تباهت بإزاحة هذا الأخير من النظام الثنائي القطبين، وتوهمت بأنها قادرة على التصرف، بشكل منفرد، في القضايا الدولية، لكنها، اكتشفت، في وقت متأخر.
4 - العبء الأكبر من ذيول الأزمة وتداعياتها، على الصعيدين الداخلي والخارجي، يتحمله صغار اللاعبين في السوق والفئة المتوسطة معهم. فقد بات معروفا أن أسماك القرش الكبيرة، أميركية كانت أم دولية، باستثناء نسبة ضئيلة، كانت هي التي أشعلت فتيل الأزمة، وكانت أول المنسحبين من تلك الأسوق قبل أن تلسعهم نيرانها.
5 - البحث عن الفئات أو القوى المستفيدة من نشوء تلك الأزمات، وذات المصلحة الحقيقية في تفاقمها، وليس استمرارها فحسب. وفي الحالة الأميركية، وعلى رغم تعقيدات أوضاعها، وتعدد الأطراف ذات العلاقة بالأزمة، سلبا أو إيجابا، فإن المؤشرات تتجه بأصابع الاتهام نحو الكارتيلات النفطية، واحتكارات الصناعة العسكرية، التي لها مصلحة مباشرة في تأزيم أسواق النفط العالمية، وتوسيع نطاق الحروب الإقليمية، مع ضمان استمرار تدخل الولايات المتحدة فيها، كي تسرِّع من وتيرة دوران عجلات مصانع إنتاج المعدات الحربية التي تتآكل عندما ينتشر السلام، وتضمن التلاعب في أسعار الطاقة المحلية، وترويج المضاربات فيها عند تأزم أسواق النفط. ولعل أسطع دليل على ذلك، هو أن أثرياء النفط والسلاح من الأمريكان لاتزال مؤسساتهم بعيدة عن الأزمة.
6 - علاقات التأثير المتبادلة بين الاقتصاد والسياسة، داخلية كانت أم خارجية. فلا يمكن أن نفهم ما يجري في السوق الأميركية اليوم، بعيدا عن السياسة التي قادها بوش على إمتداد السنوات الثماني من حكمه.
7 - الدورة الاقتصادية لابد لها أن تكتمل، ولا يمكن لأي اقتصاد، مهما بلغت متانته، الاستمرار في النمو في خط مستقيم. ولذلك لابد أن يعقب كل انتعاش وعافية، تراجع وركود، وهذا ما تمر به السوق الأميركية اليوم
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2208 - الأحد 21 سبتمبر 2008م الموافق 20 رمضان 1429هـ