العدد 2208 - الأحد 21 سبتمبر 2008م الموافق 20 رمضان 1429هـ

باكستان... واستراتيجية التقويض

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

جريمة القتل الجماعية التي اقترفها سائق شاحنة مفخخة بألف كيلوغرام من مواد التفجير في فندق «ماريوت» في إسلام آباد تتحمل مسئوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية الإدارة الأميركية. فالشاحنة التي اقتحمت باحة فندق وقتلت وجرحت المئات على مأدبة إفطار في رمضان تثير الشبهات عن الطرف الذي يمول ويدرب ويجهز هذه الشبكات المجهولة الهوية والعنوان والأهداف. فمن له مصلحة في قتل صائمين؟ ولماذا تجرف الضحايا بالجملة والمفرق؟ ومن هو الطرف المستفيد من هكذا أفعال لا معنى لها سوى للجهات التي تخطط وتشرف على ارتكاب مثل هذه الجرائم؟

واشنطن سارعت كعادتها إلى اتهام تنظيم «القاعدة» بارتكاب الجريمة لتؤكد بالمناسبة مواصلة حربها على «الإرهاب». وهذه ليست المرة الأولى التي تسابق واشنطن الزمن لتوجيه الاتهام إلى الفاعل المجهول (المعلوم) انطلاقا من رؤيتها الإستراتيجية. وهي رؤية تأسست على منهج تقويض الدول وتفكيكها إلى «إمارات» طوائف ومذاهب وقبائل تتنازع السلطة محليا وتتقاتل على النهب والسرقة كما هو حال العراق (النموذج) الآن.

اتهام «القاعدة» أصبح قاعدة بيانات تقليدية تعتمدها إدارة واشنطن للتأكيد على نقطتين: الأولى أن الحرب التي أعلنتها رسميا قبل سبع سنوات كانت صحيحة. والثانية أن تلك الحرب مستمرة ولن تتراجع عنها حتى تحقق أهدافها منها.

على أساس هذه البيانات تعيد واشنطن التذكير بمشروعها التقويضي. وهو مشروع يحتاج إلى تبرير يعطيه الشرعية للتدخل والضغط وممارسة كل أنواع الخداع للتغطية على البرنامج الذي تعتمده الإدارة في «الشرق الأوسط الكبير». وتنظيم «القاعدة» سواء كان حقيقة أم خيالا يعتبر في هذا المعنى الجهنمي حاجة أميركية لا بد منها لاستخدامها «حصان طروادة» لاقتحام الحصون واختراق الدول وفرض الشروط عليها وجرجرتها إلى حروب داخلية (أهلية) تؤدي في النهاية إلى تخلخلها وتفككها.

حاجة إدارة جورج بوش إلى تنظيم «القاعدة» يمكن قراءة تفصيلاتها في الكثير من المشاهد السياسية. فهذا التنظيم الهلامي الغريب والعجيب في هيكله الأفقي الممتد من المغرب والجزائر إلى فلسطين ولبنان والصومال والعراق واليمن وصولا إلى أفغانستان وتركيا وإندونيسيا والهند وباكستان... يشكل في مجموعه الهندسي العمودي ذريعة للتدخل الأميركي وواسطة يمكن استخدامها سياسيا وثم إعادة تطويعها أيديولوجيا لتمرير بعض تلك الأهداف التي تتصل بإستراتيجية تعتمد منهج تقويض الدول وتشطيرها إلى مناطق متناثرة تتحكم بها القبائل والطوائف والمذاهب.

«القاعدة» المجهول (المعلوم) تنظيم كما يبدو بات متخصصا في قتل المسلمين في رمضان وقبله وبعده. وبيانات التنظيم التي تصدر تباعا بالمناسبات أو دونها تؤكد دائما على ضرورة الاستمرار في تجريم الأبرياء وجرهم إلى النار بذريعة أن الأطفال والنساء والشباب والرجال والشيوخ هم ضرورة للحرب ووجودهم مصادفة في هذا الموقع أو ذاك المكان مسألة خارج الإدارة وهي وقدر هؤلاء إذ شاء القضاء أن يشكلوا وقودا في المعركة.

هذا النوع من التبرير يعطي إدارة بوش هدية فكرية لا تقدر بثمن لكون المعركة التي يخوضها ضد الدول الإسلامية والعربية تحتاج إلى شبكة وهمية من الخلايا تغطي المشروع الحقيقي وسياسة التقويض المتنقلة من الصومال إلى فلسطين ولبنان والعراق وصولا إلى أفغانستان وباكستان وما بعدهما وقبلهما. الهدف هو تحطيم الدول لا نشر الديمقراطية أو توزيع الثروة وبناء المدارس والمستشفيات ولا تطوير الاقتصاد والتنمية وتمكين المرأة والقضاء على الفقر والأمية. وبما أن الهدف هو استمرار سياسية التقويض فلا بد من قوة تمهد الطريق وتعطي الذرائع وتساعد على كسر الشوكات وإذلالها وإحراقها حتى تتواصل وتتضخم موازنة «الحرب على الإرهاب».

«القاعدة» تنظيم جاهز حتى لو كانت تلك الخلايا مخترقة أو متصلة بشبكات من الأجهزة التي تمول وتدرب وتسهل القيام بالمهمات المطلوبة حتى تعطي شرعية للسياسة الأميركية وتمدد للإدارة تلك الصلاحية التي تبحث عنها لتكون مادة خصبة في الإعلام وتشكل ذريعة لتحقيق غايات بعضها معلن عنه منذ فترة.

إنها لعبة

باكستان كما يبدو ستتحول إلى مرتع للعمليات في الفترة المقبلة بعد أن وضعتها الإدارة الأميركية على لائحة الدول المطلوبة. والكلام عن باكستان لم يعد سريا بعد صدور تقارير صحافية ومخابراتية تشير إلى ضعفها التكويني وعدم قدرتها على النهوض بسبب تفككها القبلي والمناطقي والطائفي. فهذه الدولة بحسب توصيف معلومات المخابرات وتلك التقارير المهربة إلى الإعلام تعاني من خلخل بنيوي وهي لا تمتلك المعطيات المطلوبة لتعزيز وحدة البلاد ما يتطلب إعادة النظر بخريطتها السياسية التي تتشكل منها هيئتها بعد انفصالها (استقلالها) عن الهند. الشخصية الباكستانية برأي الإدارة الأميركية غير موجودة لذلك ستبقى الدولة مهزوزة ومعرضة للقلاقل والاضطرابات والاختراق. وبسبب هذه التشكيلة المصطنعة والمتوارثة كان من الصعب على الدولة القيام بمهماتها السياسية والأمنية ما أدى إلى اتساع نفوذ شبكات «القاعدة» وامتدادها إلى الداخل.

هذا التحليل الأيديولوجي عن تاريخ باكستان أصبح من المسلمات التي تتداولها الصحافة الأميركية استنادا إلى معلومات مخابراتية. وترافق التحليل مع حملات سياسية بدأت منذ العام 2006 تشير إلى الحدود الأفغانية - الباكستانية (بيشاور وإقليم وزيرستان) ونجاح «طالبان» في تأسيس ملاذات آمنة تعطل الاستقرار الإقليمي وتعرض قوات التحالف الدولي للمخاطر. وبناء على هذه التحليلات والحملات توصلت الإدارة الأميركية إلى خلاصات سلبية بشأن باكستان تقوم على فكرة إعادة النظر بالتحالف التقليدي والبدء في البحث عن مخارج تتجاوز الحدود حتى لو أدى التجاوز إلى تقويض الدولة. والنتيجة التي توصلت إليها واشنطن من كل هذه القراءات التفكيكية تنحصر في نقطة واحدة وهي: الأمن.

نظرية الأمن تقتصر على الوجود الأميركي في تلك المنطقة الإستراتيجية وتتطلب مجموعة عناصر لتأكيدها، منها أن تلعب إسلام آباد دور حارس الحدود وإلا اضطرت إلى استبدال الحارس بغيره في حال اعترض على الاختراقات الجوية والبرية والبحرية باسم «السيادة» و «الاستقلال» و «الحرية». برويز مشرف خرج سلما من رئاسة السلطة حين اعترض على السياسة الأميركية مشيرا إلى سيادة باكستان واستقلالها وحقها في الدفاع عن وجودها ومصالحها. استخدم تنظيم «القاعدة» واسطة ميدانية لاقتلاعه. الرئيس الجديد آصف زرداري الذي يستعد لزيارة واشنطن ولقاء بوش الثلثاء المقبل كرر كما يبدو خطاب مشرف في كلمة ألقاها قبل لحظات من وقوع انفجار «ماريوت». فالرئيس الباكستاني البديل لم يلتقط المفارقة ويتحاش الأخطاء حين أشار في خطابه إلى أن إسلام آباد «لن تتسامح مع أي خرق لسيادتها أو لأراضيها باسم محاربة التشدد».

هذا الكلام «السيادي» و «الاستقلالي» لا يتناسب مع إستراتيجية التقويض وتلك المعلومات التي تتحدث عن أن خطة تقسيم باكستان أصبحت جاهزة لوضعها على نار حامية ودفعها نحو التنفيذ في المرحلة المقبلة. فالمشروع المتداول يدعو إلى تحطيم باكستان إلى خمس دويلات (ثلاث في العراق) يوزع بعضها مناطق نفوذ على الجوار (الهند) وبعضها الآخر يعاد البناء عليه لتأسيس اتحاد متجانس (دولة بديلة) يعوض ذاك التماسك المفقود.

مشروع التقويض لم تغادره إدارة بوش وهو لا يزال حتى الآن يشكل قاعدة لتلك الإستراتيجية التي قال عنها قائد الجيوش الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط الكبير» خلال جلسة الاستماع في الكونغرس قبل أسبوعين إنها شارفت على النهاية. فالقائد المكلف بإدارة الجيوش وتشغيلها ميدانيا تحدث عن «نهاية اللعبة». واللعبة برأيه أخذت تنتج وظائفها ولم يعد أمامها سوى خطوات للانتهاء من رسم خرائطها.

إنها لعبة كما قال ديفيد بترايوس. واللعبة دائما تحتاج إلى مجموعة من الممثلين لتأمين نجاحها على المسرح. الممثل الفاشل يخرج ويبقى الذي ينفذ الدور بنجاح. إلا أن الأخطر من الفرقة المكشوفة على خشبة المسرح هي تلك الأطراف والشبكات التي تقوم بالمهمات القذرة من وراء الستار وبعيدا عن أنظار المشاهدين والمتفرجين. وهذا بالضبط ما يمكن رؤيته للتعرف على الجهة المستفيدة من جريمة تفجير مأدبة إفطار في فندق «ماريوت». فقتل الصائم في رمضان مهمة دموية بشعة ولكنها مطلوبة لتبرير اللعبة وإعطاء الذرائع لتنشيط إستراتيجية تقويض «الشرق الأوسط الكبير»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2208 - الأحد 21 سبتمبر 2008م الموافق 20 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً