في خطوة لم يكن بوسع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (المصرف المركزي) تأجيلها، أقدم البنك المركزي على حزمة من الإجراءات لإنقاذ مجموعة التأمين الأميركية (أمريكان انترناشونال غروب) «AIG»، مبديا استعداده لتقديم قرض قيمته 85 مليار دولار للمجموعة مقابل سيطرته على نحو 80 في المئة منها.
أدى ذلك، كما كان متوقعا، إلى إنعاش سريع، وإن كان محدودا للأسواق الأميركية، وانعكس ذلك على الأسواق الآسيوية والأوروبية، ومن بينها الأسواق الخليجية التي كانت تعاني هي الأخرى، دون أي استثناء، من أعراض صدمة إعلان إفلاس بنك «ليمان براذرز».
لقد أغلق مؤشر «داو جونز» الصناعي بصعود 1.3 في المئة، وتبعه مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» الذي كسب ما يعادل 1.8 في المئة من قيمته. وافتتحت الأسواق الأوروبية تداولاتها على ارتفاع، بلغ 0.21 في المئة في مؤشر DAX 30 الألماني و1.39 في المئة في مؤشر CAC 40 الفرنسي و0.25 في المئة في مؤشر لندن. وقد تبدو نسب الارتفاع في تلك الأسواق طفيفة، لكن تكتسب أهميتها من كونها أقوى مؤشر على وقف التدهور، وإن كان البعض ما يزال يعتقد أنه حل مؤقت، ويتوقع دورة أخرى من الإفلاسات والأزمات الحادة التي تنتظر الأسواق المالية العالمية، وأن ما قام به المصرف المركزي، لا يعدو كونه حقنا مسكنة، جاءت في وقت متأخر بعض الشيء، وبجرعات أقل مما يحتاجه تسكين آلام الأزمة واحتمالات تداعياتها.
فمع أن المصرف قد لجأ إلى اعتماد خيار تقديم 85 مليار دولار إلى شركة «أمريكان انترناشيونال غروب» AIG، أكبر شركات التأمين العالمية، وذلك لتجنيبها إعلان إفلاسها، ومن ثم تهديد كامل القطاع المالي بانهيار شامل، لكنه أصر على إبقاء مستويات الفائدة دون تغيير، عند حاجز 2 في المئة ، وهو أمر سيرغم المؤسسات المالية الأخرى المهددة على البقاء في غرف الإنعاش، خشية أية مخاطرة أخرى.
وما يجعلنا نعتقد أن إجراءات المصرف المركزي لا تتجاوز تأثيراتها الحقن المسكنة، تقارير أوروبية نشرتها مواقع مثل هيئة الإذاعة البريطانية، حذرت فيها من استمرار «المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي في الضغط على أسواق الأسهم العالمية، بينما تزيد احصائيات سوق العمل الأميركية الاخيرة الوضع سوءا». يشاركه في ذلك موقع سويس إنفو التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية SRG SSR idée suisse، الذي استنار برأي خبيرين عالميين هما: كبير الخبراء الاقتصاديين في مصرف بيكتيت أند كو (Picete & Co) جون بيير بيغلان، والثاني، محلّـل وكاتب أعمِـدة، يُـعتبر مرجِـعا في المسائل الاقتصادية في سويسرا بيات كيبلر. كلا الرجلين يريان في الأزمة الحالية أزمة بنيوية لن تجدي معها الحلول المسكّنة.
يعترف كيبلر صراحة أنه لم يكن يتوقع أن «تتخذ الأزمة مثل هذا الحجم. وهو ما اتّـضح أنه غير صحيح وأن حجم الرهونات التي كانت قيمتها مشكوكا فيها، قد بلغت مثل تلك النِّـسب، ولم (ينتظر) انهيارا لقيمتها بمثل تلك السرعة، (مشيرا إلى) الانهيار المسجل في الثقة بين البنوك، وبأن القروض فيما بينها، أضحت مستحيلة، (الأمر الذي من شأنه أن) يمَـسّ النظام المصرفي».
أما بيغلان، فيعلنها هو الآخر صراحة بأنه لم يكن يعتقد بأن «انخرام التوازن سيستمِـرّ كل هذه الفترة، وبأن المشكلة تتمثل في أننا لا نفهم تماما السبب الكامن وراء بقاء نِـسبة الفائدة بين البنوك مرتفِـعة جدا. في الحالة العادية، تنتهي هذه الوضعية أسرع بكثير في أعقاب أزمة».
الموقع ذاته يعتقد أن الأزمة بنيوية، ويدرج قائمة بالمظاهر التي تموضعت الأزمة فيها على امتداد ما يقارب من العامين. ويعيد جذورها التاريخية إلى فبراير/ شباط 2007، عندما «شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا كبيرا في عدم قُـدرة المقترضين على دفع مستحقات قروض الرهن العقاري، ما أدّى إلى أولى عمليات إفلاس مؤسسات مصرفية متخصصة». ثم يتوقف الموقع عند يونيو/ حزيران 2007، عندما أعلن مصرف الاستثمار الأميركي Bear Stearns، عن معاناته من خسائر قروض الرهن العقاري. ومن هنا يعرج الموقع على أغسطس/ آب 2007، عندما بادر البنك المركزي الأوروبي إلى ضخّ ما يقارب من 90 مليار يورو من السيولة، وشاركته الخزينة الفيدرالية الأميركية التي سارعت إلى ضخّ 24 مليار دولار، لتوفير شيء من السيولة المطلوبة لإنعاش سوق العقار الأميركية، ويصل الموقع إلى مارس/ آذار 2008، عندما أبدت الخزينة الفيدرالية الأميركية استعدادها لتقديم مبلغ يصل إلى 200 مليار دولار إلى مجموعة محدودة من البنوك الكُـبرى، ثم يحط الرحال عند يوليو/ تموز 2008، عندما تعلن الخزينة الأميركية عن خطّـة لإنقاذ القطاع العقاري لتخفيف الضغط الذي راح يشتد على مؤسستي Freddie Mac وFannie Mae الأميركيتين المتخصصتين في إعادة تمويل القروض العقارية.
هذه الظواهر والمبادرات تجعل العديد من المراقبين يؤكدون أن ما تقوم به الحكومة الأميركية، لا يعدو كونه مسكنات قد تفلح في وقف مؤقت للتدهور، لكن ليس بوسعها منع انتشار الأزمة المحدقة بالأسواق الأميركية، والتي من الطبيعي أن تنتقل عدواها إلى الأسواق العالمية الأخرى بما فيها الأسواق الخليجية، التي ليس بحوزتها، حتى الآن، حتى المسكنات، دع عنك الحلول.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2206 - الجمعة 19 سبتمبر 2008م الموافق 18 رمضان 1429هـ