العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ

مشائخ وفضائيات بني نواس

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كنت أتأمل أحوال بعض الفضائيات وأحوال بعض مشايخها في شهر رمضان، فقفزت إلى ذهني أبيات للشيخ «أبي نواس» - رحمه الله - حفظتها وأنا طالب في الثانوية بفضل أستاذنا في اللغة الذي كان حريصا على تلقيننا أفضل أبيات أبي نواس وأشباهه من الكرام حتى يبعدنا عن الغلو الذي لم يكن موجودا آنذاك؟ تقول هذه الابيات:

اسقني واسقِ يوسفا

خمرة الدنِّ قرقفا

وضع الزق جانباَ

ومع الزق مصحفا

فاحتسي من ذا ثلاثة

واتل من ذاك أحرفا

خيرُ ذا بشر ذا

فإذا الله قد عفا

وجه الشبه بين ما قاله شيخنا وبين الفضائيات ومشايخها أن الجميع يخلطون أعمالا حسنة بأخرى سيئة تحت دعاوى باطلة ظاهرها الإصلاح وباطنها غير ذلك مما لا ينطلي على الناس فضلا عن انطلائه على خالقهم.

ولو ابتعدت تلك الفضائيات ومن تجلبهم إليها عن النفاق لبقي الجميع - أفضل عند الناس مما هم عليه الآن.

فضائيات لا تعرف الاسلام طيلة العام، بل تحاربه بطرق شتى، وأكثر ما تقدمه برامح ومسلسلات تافهة، تزيد هذه التفاهات في رمضان بصورة مزعجة وكأن أهداف هذه القنوات إفساد رمضان بكل جوانبه، وإبعاد الناس عن عبادتهم القليلة التي يؤدونها في هذا الشهر، ومعروف أن هذه القنوات تسعى إلى الربح من خلال ما تعرضه، لا يهمها النتائج السلبية التي تتحقق، ومن هنا يأتي الاستغراب والسؤال الكبير: لماذا - وهي بهذه الصورة - تحرص على جلب بعض «المشائخ» إلى فضائها؟ هل هو الدِّين الذي غزا قلوب أصحابها فجأة؟ هل هو الرغبة في ترويج منتجاتها عن طريق هؤلاء «الدُّعاة»؟ ثم لماذا في رمضان وحده؟ هل المسلم لا يعبد الله الا في رمضان؟ ثم لماذا تركهم بعده مباشرة وكأن صلاحيتهم انتهت؟ ربما تأثر القوم بالشيخ أبي نواس؟ فبعض الحسنات هنا، وبعض السيئات هناك، ربما ترضي الله عز وجل؟ فخير ذا بشر ذا، فإذا الله قد عفا! وربما تأثر القوم بالمثل القائل: «ساعة لقلبك وساعة لربك» ويكفي للرب دقائق معدودة يملؤها مشائخ «طيبون» وللقلب ما بقي من ساعات طويلة باعتبار ان الله «غفور رحيم». أو كما قالت إحداهن أن الرسول كان يلهو في رمضان فلماذا لا يقتدي المسلمون برسولهم؟ لم تعرف «هذه» أن الرسول كان يشد المئزر ويوقظ أهله ويحيي ليله بالعبادة...

على أية حال أصحاب الفضائيات الذين دخل الإسلام قلوبهم فجأة، ممن فيهم - قناة أخبارية «عربية»، لا تعرف «المشايخ» طيلة العام فإذا بها في رمضان تستقطب عددا منهم وتبرزهم بصورة مضحكة، وتتحدث عن مكة والمدينة، ولعلها أرادت ان تشارك القنوات الأخرى في تقاسم كعكة «المشايخ» لعل بركتهم تحل عليها؟ أقول هؤلاء لهم العذر فيما يفعلون، فهم يبحثون عن الربح ولا يهمهم من أين يأتي، ولكن عن أي شيء يبحث الطرف الآخر؟ شخصيّا أحترم رأي كل إنسان، وأحترم حريته، وأعرف أن لكلِّ الحق في أن يفعل أو يقول ما يراه حقّا، ولكني لا أحترم من يقول شيئا ويفعل ضده، على الإنسان ان يكون واضحا ومنسجما مع نفسه لكي يكسب احترام الناس، أو على الأقل لكي لا يكسب احتقارهم.

كل «المشايخ» الذين يتسابقون للخروج على تلك الفضائيات يلعنونها صباحا ومساء، ويتحدثون عن مفاسدها وتأثيرها المدمر للأخلاق والأسر، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يظهرون على شاشاتها؟ التبريرات التي يقولونها مضحكة، وربما هم يعرفون ذلك!

كل «المشايخ» يتحدثون عن حرمة الموسيقى والغناء، وهم يعرفون أن «قنواتهم» كلها موسيقى وغناء، فهل أصبحت هذه حلالا حينما يشاركون فيها ثم تحرم بعد ذلك؟ قولهم إن الموسيقى لا تخالط برامجهم قول مضحك ربما هم غير مقتنعين به!

كشف وجه المرأة وشعرها وتبرجها حرام عندهم جميعا، ولكن هذه المرأة يرونها وهم داخلون وخارجون في دهاليز تلك القنوات، بل - ربما - أن هذه المرأة تضع لهم المكياج قبل تشريفهم على الفضاء المباشر! هل كل هذا حلال؟ أم انه حلال لكم من دون الآخرين؟

مرة أخرى: لهؤلاء الحق في أن يتسابقوا إلى هذه القنوات ولكن ليس لهم الحق في أن يتناقضوا مع أنفسهم...

بعضهم يفخر بأنه يشارك في مجموعة كبيرة من القنوات في اليوم الواحد، أقول: ماذا يستطيع أن يقول «سماحته» من أشياء نافعة لمستمعيه وهو مزحوم بهذه الصورة؟ أو لعله يطبق المثل: «افتح فمك ويرزقك الله»!.

بعضهم يفخر بأن هاتفه لا يهدأ - ليلا ونهارا - من كثرة اتصالات النساء المعجبات بشكله وعلمه، هذه تعرض نفسها عليه - طبعا بالحلال - والاخرى تريده أن يحل مشكلاتها النفسية والاجتماعية، والشيخ - حفظه الله - يقدم المشورة إلى جميع المتصلات! لكن الشيخ لم يقل لنا هل سماع صوت المرأة حلال؟ هل التي تعرض نفسها عليه تتكلم بدلال وغنج حتى يقتنع فضيلته بمؤهلاتها «العلمية»! هل كل هذا من الحلال؟! كير من «المشايخ» يؤكدون أن هواتفهم لاتكاد تهدأ من كثرة اتصالات السيدات! لكن لماذ لا يتصل بهم أحد من الرجال؟

ومشايخنا الكرام يعتقدون أنهم فئة خاصة من البشر، فلا يتعاملون مع سواهم الا من علٍ، والكبرياء حلال لهم - هكذا أظنهم يعتقدون -!

مرة أخرى: لكل أحد الحق في أن يفعل ما يشاء، وأن يكسب من المال ما يشاء، والمشايخ مثل سواهم لهم الحق في أن ينحرفوا وأن يكسبوا وأن ينافسوا المطربين على الفضائيات وما في حد أحسن من حد، ولكن أتمنى ان يبتعدوا عن الازدواجية في القول والعمل وألا يكونوا مثل السيد «بوش» الذي يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، فإما أن تكون هذه الفضائيات حلالا كلها وهنا تجوز المشاركة فيها وإما ألا تكون وهنا لا تجوز المشاركة فيها، وإما أنهم وقنواتهم خلطوا عملا سيئا وآخر حسنا وهم يرجون غفران الله وعفوه فهذا اجتهادهم ولهم كل الحق فيه..

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً