بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الولايات المتحدة الاميركية لتصبح دولة تمتلك قوة عسكرية هائلة وترغب بشدة في التربع على كرسي سيادة العالم كان لابد لها اولا من سد الفراغ الامني والعسكري المتواتر مع تراجع وانكماش القوة العسكرية للاتحاد السوفياتي الذي اخذ يتصدع تحت مطرقة الانهيار الاقتصادي.
الولايات المتحدة الاميركية وعت الدروس واستخلصت العبر من ان القوة وحدها لا تكفي وما انهيار الاتحاد السوفياتي إلا احدى تلك العبر، لذلك عكف مصممو السياسة الاميركية على وضع خطط لاستهداف مكامن الثروات في بلدان العالم للهيمنة عليها وبالتالي ضمان السيطرة الاقتصادية والعسكرية على العالم بأسره، فكانت دول العالم الاسلامي الممتدة من شرقي الكرة الارضية إلى غربها والغنية جدا بالثروات الطبيعية والنفطية، المفككة سياسيا والضعيفة عسكريا هي الفريسة السهلة واللقمة السائغة التي لن تبكيها عيون الآخرين، أو تجد مساءلة من مجلس الأمن الذي يسيطر عليه اولئك المفترسون. ولكي يتمكنوا من تنفيذ خططهم للاستيلاء على الثروات التي لم يستطيعوا الوصول إليها ووضع يدهم عليها في السابق. كان لابد لهم من اظهار انفسهم بأنهم هم الضحية لمؤامرة كبرى تستوجب تعاطف ومباركة دول العالم وتمنحهم الحق في القصاص الرسيع من دول يختارونها كأعداء تكرههم وتسعى إلى هدم اسس العدل وحقوق الانسان الديمقراطية التي تساوي بين افراد البشر. فكانت حوادث 11 سبتمبر/ ايلول التي هزت كيان العالم هي نقطة البداية، وحتى قبل ان يفيق العالم من هول ما حدث للمركز المالي والمقر السياسي لاكبر دولة وقبل ان يباشر المحققون في جمع الادلة خرج علينا الساسة الاميركان بخبر تحديد هوية المعتدي الارهابي وعرفوه بأنه هو ذلك الشيخ الذي يقبع في كهوف افغانستان على أنه العقل المدبر والممول لتلك العملية الارهابية الرهيبة. عملية فاقت كل التصورات في التخطيط ودقة التوقيت بين مدبريها وهو ما عجز عن القيام بمثله ادهى المناوؤن السابقون للولايات المتحدة الاميركية بفضل قوة استخباراتهم التي قالوا عنها إنها لا يمكن ان تُخترق. إلا انهم ضحوا بصدقيتها في سبيل الحاق التهمة بمن وضعوهم على رأس القائمة.
لم يكن للعالم الذي انطلت عليه اللعبة في تلك اللحظات الحزينة لفقدان ارواح بريئة الا التعاطف مع الشعب الاميركي في محنته واستنكار ذلك الفعل الشنيع والتعهد بتقديم جميع المساعدات الاستخبارية والدعم اللامحدود للكشف عن الحقيقة ومحاكمة المعتدي. إلا ان اميركا لم تكن بحاجة إلى معرفة الحقيقة فالحقيقة واضحة لديها والهدف محدد لذلك انتقلت بسرعة البرق إلى استصدار عدة قرارات اجرامية من مجلس الامن اسموها بالحرب على الارهاب الدولي. عندها بدأت عجلة الكذب تدور وضمنت الولايات المتحدة الاميركية امكان وضع يدها على افغانستان عن طريق طرح شروط تعجيزية ومرفوضة من قبل الآخرين مكنتها من شن الحرب والسيطرة عليها عسكريا وعلى جميع مواردها وموقعها الاستراتيجي إذ انها تقع على حدود خمس دول نووي جمهورية الصين. والهند، وباكستان، وايران، والاتحاد السوفياتي. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى السيطرة على الموارد الطبيعية الغنية لضمان إمداد الصناعات الاميركية بالمواد الخام اللازمة. ثم تدور عجلة الكذب لتطحن الضحية التالية على القائمة.
وهنا اتذكر حينما استقبل سمو رئيس الوزراء الموقر اعضاء مجلس الشورى في اكتوبر/ تشرين الاول 2001م ليضعنا على آخر تطورات الحوادث بالنسبة إلى المشكلة الافغانية حينها طرحت سؤالا على سموه مفاده: هل يجوز أو هل من واجب دولة البحرين آنذاك منح تسهيلات عسكرية لاميركا في اعتدائها على افغانستان قبل ثبوت الادانة الدولية؟ واذا فعلنا ذلك إلى أين سيجرنا اشرار اميركا بعد ذلك، وعلى من سيأتي الدور؟ وهاهي الايام تكشف لنا على من أتى الدور وعلى من سيأتي بعد العراق؟
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ