العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ

السودان في المصطلح الأميركي هل هو دولة «فاشلة»؟

محمد أبوالقاسم حاج محمد comments [at] alwasatnews.com

.

أصبحت أميركا الآن مصدر كل مصطلح عالمي جديد في لغة العولمة «المعاصرة» بعد أن دخلت «عصر التكنيترونيك» الذي وحّد ما بين الثورة «التكنولوجية» في عالم الاتصالات والمعلومات والمواصلات مع «الاكترونيك»، وهو تعبير أطلقه مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق «زبينفيو بريجينسكي» في السبعينات. بموجب هذا العصر استشعرت أميركا سيطرتها على العالم الذي بدا لها «متقلصا» وقابلا لأن تحتويه «قبضتها» طالما أن أميركا تستمتع الأن «باللحظة الأحادية» وذلك أيضا تعبير أميركي لتخفيض تعبير «الهيمنة» الأحادية بالمنطق الاستعماري.

هكذا ينتهي المفهوم التقليدي للجغرافية السياسية و«الجيوبوليتيك» في نظريات العلوم السياسية وذلك منذ أن أعلن الرئيس بوش الأب في 11 سبتمبر/ أيلول 1990 قيام «النظام العالمي الجديد» ثم أصّل الرئيس بوش الابن ذلك الإعلان بالتاريخ ذاته 11 سبتمبر 2001، وتحديدا، إثر تفجيرات أميركا، فهل هي محض صدفة؟

تسعى أميركا ـ الآن ـ إلى الهيمنة على هذا العالم «المتقلص» ليس عن طريق وكالة الاستخبارات الأميركية «C.I.A» التي ستوضع قريبا في متحف التاريخ، ولا عن طريق الدبلوماسيين البيروقراطيين أو مجموعات ورش عمل الأدمغة (Think Tank) التي كادت تحل بديلا عن الجامعات، ولكن عن طريق أجهزة الـ «I.S.A»وهي اختصار لأجهزة جمع المعلومات والإشراف والمراقبة والاستطلاع.

أميركا هذه، تتطلع الآن لإيجاد «الشعوب البديلة» و«الأنظمة البديلة» وذلك باحتواء الشعوب ثقافيا على حساب ما هو مساند آيديولوجيا ودينيا وقوميا وحضاريا.

وتم التعبير عن هذا الاحتواء بلغة «صدام الحضارات» لصموائيل هنتنغتون ومنطق الليبرالية نهاية التاريخ لنوكوياما والذي يحتوي الأنظمة جنبا إلى جنب مع شروط منظمة التجارة الحرة والمنظمات الدولية الأخرى كحقوق الإنسان وغيرها كثير وكثير.

حتى يتم التخطيط الأميركي في عصر «التكنيترونيك» وأداته الجديدة الـ «آي.س.آر» تبذل القيادات الأكاديمية جهدها لتصنيف ما هو قائم في العالم الآن من شعوب وأنظمة، فهناك الدول «المارقة» على النظام الدولي الجديد وهي دول «محور الشر» التي تتضمن ـ حتى الآن ـ إيران والعراق وكوريا الشمالية. وهي دول توصم بالإرهاب ويبلغ عددها في تقدير نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني حوالي خمسين دولة!

وبالإضافة إلى الدول «المارقة» هناك الدول «الانتقالية»، لا هي «مارقة» ولا هي «مطيعة». وهناك الدول «الفاشلة» ثم في آخر القائمة الدول «المنهارة» وقد خصصت «فصلية واشنطن» الصادرة عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» ملفا خاصا في عددها الصادر صيف 2002 لهذه التصنيفات.

يحدد مدير «برنامج الصراع بين الدول» في «أكاديمية كييدبي» ورئيس مؤسسة السلام الدولي روبرت روتبرج في مقالته المنشورة في «فصلية واشنطن كورتلري» بعنوان «الطبيعة الجديدة لفشل الدولة القومية» ان الدولة القومية تفشل لأنها لم تعد قادرة على توصيل سلع سياسية إيجابية لشعوبها، ويقصد بالسلع السياسية خدمات الأمن والتعليم والصحة والفرص الاقتصادية والرقابة البيئية وإطار قانوني للنظام العام، ونظام قضائي لإدارتها ومتطلبات البنية الأساسية الضرورية من طرق واتصالات، ويعد الأمن أكثر السلع السياسية أهمية لحياة الناس وأشهرها.

ويضيف روتبرج: «ان الدول الفاشلة متوترة، وتشهد صراعا شديدا، وتخوض الفصائل المتحاربة بها حروبا خطيرة ومريرة. وفي معظم الدول الفاشلة تحارب القوات الحكومية متمردين مسلحين. وأحيانا تواجه السلطات الرسمية في تلك الدول أكثر من تمرد مسلح في وقت واحد، ومجموعة من الاضطرابات المدنية، ودرجات متفاوتة من السخط الاجتماعي، وطائفة كبيرة من أشكال المعارضة الموجهة للدولة أو لجماعات داخل الدولة».

مواصفات الدولة الفاشلة

ويشير روتبرج إلى «أن ما يحدد ما إذا كانت الدولة فاشلة ليس شدة العنف وإنما الطبيعة المستمرة لذلك العنف كما هو الحال في دول مثل أنغولا وبوروندي والسودان».

وكذلك «توجيه هذا العنف نحو الحكومة أو النظام القائم والطبيعة النشطة للمطالب السياسية أو الجغرافية بتقاسم السلطة أو الاستقلال التي تضفي عقلانية أو تبرز ذلك العنف. ويهدد الفشل الدولة عندما يتحول العنف إلى حرب داخلية شاملة، وعندما تتدهور مستويات المعيشة بشدة، وعندما تتحلل البنية التحتية للحياة العادية، وعندما يطغى جشع الحكام على مسئولياتهم عن توفير شروط حياة أفضل لمواطنيهم».

و«ان الحروب الأهلية التي تميز الدول الفاشلة تنجم عادة من حالة عداء عرقي أو ديني أو لغوي أو غيره من أشكال العداء فيما بين الجماعات. أو أن جذور هذه الحروب تنبت في حالات العداء هذه. ولا توجد دولة فاشلة لم تعرف شكلا من أشكال عدم الانسجام بين جماعاتها، فعدم الانسجام بين الجماعات داخل الدولة سمة ملازمة للدولة الفاشلة.

وأحد المؤشرات التي تقيس مدى فشل الدولة، هو مقدار المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها الحكومة سيطرة حقيقية، وإلى أي مدى تحكم الحكومة المركزية قبضتها على القرى والمناطق الريفية والطرق والممرات المائية ومن الذي يسيطر بالفعل على المناطق النائية في الدولة.

وفي معظم الحالات التي يحكمها العداء العرقي أو الأشكال الأخرى من العداء أو إحساس النظام بعدم الأمن، وتنامي العنف المرتبط بالجريمة بحيث تضعف سلطة الدولة وتعجز. وبحيث ترتكب الدولة جرائم في قهرها لمواطنيها، وتصبح الحالة العامة لغياب القانون سائدة، ويتحول المواطنون إلى أمراء للحرب على أساس من التضامن العرقي».

كما تحتوي الدول الفاشلة على مؤسسات ضعيفة أو معيبة وغالبا فإن المؤسسات التنفيذية فقط هي المؤسسات «العاملة» و المؤسسات التشريعية ـ إن وجدت ـ فإنها «تبّصم»، على قرارات المؤسسات التنفيذية. والنظام القضائي تابع للسلطة التنفيذية. ويعرف المواطنون أنهم لا يستطيعون الاعتماد على المحاكم لإنصافهم خصوصا أمام الدولة. والجهاز البيروقراطي في هذه الدول الفاشلة فقد ـ ومنذ أمد بعيد ـ إحساسه بالمسئولية المهنية وهو موجود فقط لتنفيذ أوامر المؤسسات التنفيذية ولقهر المواطنين. وربما يكون الجيش في الدول الفاشلة هو المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بقدر من السلام لكنه «مسيّس بشدة» ومعنويات أفراده لم «تعد مرتفعة».

ويتابع روتبرج وكما هو الحال في السودان ـ مثلا ـ فإن البنى الأساسية إما أنها متدهورة، وإما أنها دمرت بالفعل. كما أن الخدمات التعليمية والصحية إما جرت خصخصتها وإما أنها تدهورت إلى مستويات لم يعد بالإمكان إصلاحها، ويزدهر الفساد ويصل إلى مستويات غير عادية ومدمرة، كما تعاني من كوارث بيئية ومجاعات.

هكذا يصبح المواطنون أقل ولاء للدولة، وينظرون إلى الحكام على أنهم يعملون لأنفسهم وذويهم، ساعتها تتآكل شرعيتهم وشرعية الدولة بحيث تصبح حكرا على «جماعة» أو «طبقة» فيصبح المواطنون أكثر ولاء للجماعات العرقية أو العشائرية.

ويؤكد روتبرج أن هذه المواصفات تنطبق ـ الان ـ على سبع دول هي: «السودان وسيراليون وليبريا والكونغو وبوروندي وأنغولا وأفغانستان».

التدخل الخارجي

ولأن أوضاع هذه الدول الفاشلة تنعكس سلبا على مسارات «العولمة» يرى استراتيجيو أميركا أن «التدخل العسكري» هو «الحل الوحيد» لإعادة تركيب وصياغة هذه الدول بالمنطق «البديل».

ويبقى أن يُشار إلى أن هذا المركز في واشنطن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أصدر دراسة مكثفة في فبراير/ شباط 2001 عن أوضاع السودان ومشكلة الجنوب تضمنت الكثير مما كتبه روتبرج لاحقا، وشكلت تلك الدراسة «مقدمة» لمهمة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان «جون دان فورث»، الذي نجح في تحقيق وقف لإطلاق النار في «جبال النوبا» بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني 2002 ويشرف الآن على مفاوضات مساكوش ـ المتعثرة ـ بين نظام «الإنقاذ» و«حركة قرنق» في نيروبي. فهل إذا فشلت مساكوش سيؤخذ بتوجهات «الدولة الفاشلة» و«التدخل الخارجي»؟... اللهم اجعل العواقب سليمة

العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً