أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي موافقتها على عرض إيراني لبدء محادثات للتوصل إلى اتفاقيات على التجارة الحرة. وأعرب وزراء خارجية دول المجلس عن استعدادهم للدخول في مفاوضات لإبرام اتفاقية على إقامة منطقة تجارة حرة مع إيران، وفق ما أعلنه الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية.
وأضاف العطية أنّه سينقل الاقتراح الذي قدّمه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، إلى اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس التعاون.
ليست هذه المرة الأولى، خلال هذا العام التي يدعو فيها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية؛ لتحسين العلاقات الخليجية العربية-الإيرانية، ففي مطلع هذا العام، وبعد أنّ وصف العطية العلاقات الخليجية الإيرانية بأنها طيبة، دعا إلى ضرورة تعزيزها بـ «المزيد من الشفافية في الحوار بشأن القضايا المحورية ذات الشأن في ترسيخ علاقات حسن الجوار وتأمين كامل للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة».
ومما يبدو، فإنّ هذا الموقف الخليجي، رغم أنه يأتي في سياق سياسة عام، تحاول أنْ يبعد شبح الحروب أو حتى التوترات عن المنطقة، إنّما يأتي أيضا كرد إيجابي على تأكيد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على «أهمية تطوير وتوطيد علاقات بلاده مع دول المنطقة الخليجية»، في اللقاء الذي ضمّه مع رؤساء البعثات الدبلوماسية الإيرانية في الدول الخليجية، في منتصف يوليو/تموز 2008، حين قال «يجب أنْ تكون لدينا نظرة بعيدة وتاريخية لتطويرعلاقاتنا مع الدول الخليجية»، لافتا إلى أهمية تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران ودول المنطقة والتعاون معها في مختلف المجالات الصناعية والزراعية, مضيفا أن «موقف طهران تجاه الدول المجاورة مبني على أساس الرحمة والمحبة وحفظ العزة».
ومن يتتبع العلاقات خلال الربع القرن المنصرم، لا يمكن إلا أنْ يلمس أنها اتسمت بالحذر الشديد المتبادل بين الطرفين، والممزوج بالصراع الخفي في أحيان كثيرة، الأمر الذي جعلها شديدة التذبذب، ويشوبها الكثير من التقلب.
لكن كلّ ذلك لا ينفي ضرورة التفكير الجدي في بناء علاقات قوية متينة وسليمة تقوم على الاحترام المتبادل بين الطرفين، وتحقق، في آن، المصالح المشتركة بينهما، والقائمة أساسا على مساحات التعاون، وهي كثيرة، بدلا من إبراز هوامش الخلاف، وهي ثانوية في هذه المرحلة على الأقل.
وربما شكلت مبادرة مثل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين خطوة إيجابية على طريق، يدرك الطرفان أكثر من غيرهما وعورته وطول مسافاته. والسبب الذي يدعونا للتفاؤل بشأن أهمية دور الاتفاقية، وكونها الأسهل تحقيقا بين قائمة من الموضوعات الأخرى الشائكة، يعود إلى الأسباب الآتية:
1 - تولي الاتفاقية، وبنودها، أهمية طفيفة للأمور السياسية والعقائدية، وتركز عوضا عن ذلك، على المسائل الاقتصادية والتجارية، الأمر الذي يهمش الخلافات السياسية، والتي هي العصا الموضوعة في دولاب تطور العلاقات الخليجية - الإيرانية.
2 - تحكم مواد الاتفاقية قوانين وأعراف دولية طورتها مؤسسات عالمية، تأخذ في عين الاعتبار الخلافات السياسية والعقائدية بين الدول التي تطمح إلى بناء علاقات اقتصادية وتجارية، تتجاوز، ولو بشكل مرحلي الخلافات السياسية، بل وتمارس، في حال تطورها، دورا إيجابيا في إذابة جليد تلك الخلافات.
3 - يتوفر لدى الطرفين الكثير من البضائع والخدمات المتكاملة، والتي يمكن أن تشكل، فيما لو خطط لها بشكل استراتيجي قائم على نضج سياسي يمتلك نظرة مستقبلية واضحة، ركيزة أساسية لوضع الخليج على خارطة العلاقات الاقتصادية العالمية، لايشكل النفط ومنتجاته، على الرغم من أهميتها، سوى إحدى مكوناتها.
لكن في أية محادثات دولية، يحتاج الأمر إلى من يحمل راية هذه المحادثات، ويمارس دور المايسترو الذي يقود الأوركسترا. هذا المايسترو، ليس بالضرورة أن يكون أفضل العازفين، و ليس هناك من يتوقع منه، سواء من الجمهور أو من أعضاء الفرقة، أن يبرز عضلاته الفنية الأدائية كي ينال الاعتراف بمهاراته الفنية في العزف، لكن بالمقابل، يدرك كل عضو في الفرقة أنه لاستطيع العزف قبل أنْ يتلقى الإشارة من ذلك المايسترو، وأنّ استمراره في العزف بشكل جيد يرضي المستمعين، رهن بقدرة ذلك المايسترو على نسج عزفه المنفرد مع أداء أفراد الأسرة الآخرين.
ربما كان ذلك المايسترو أصغر أفراد الفرقة سنا، وأقلهم مهارة في العزف، لكنه من دون شك، أغناهم خبرة في القيادة، وأشدهم تشربا في القدرة على رؤية المقطوعة الموسيقية في إطارها العام، وليس في جزئياتها الصغيرة.
وكما يبدو، فإنّ البحرين، ولأسباب تاريخية وديموغرافية - سكّانية، وبفضل موقعها الاستراتيجي، ولما لها من علاقات وطيدة مع إيران، بغض ما قد شابها من توترات محدودة وآنية، مع ضفتي الخليج، قادرة، إن هي أرادت، أن تمارس دور ذلك المايسترو.
ولكي يكون دور البحرين مثمرا ومميزا، على الدول الخليجية، قبل إيران، أنْ تعرف ما تريد من تلك الاتفاقية، حتى قبل أنْ تقدم على التفكير في توقيعها، ففي غياب رؤية واضحة ومحددة، ستطفو على السطح من جديد تلك الخلافات الهامشية، كي تحل مكان أية رؤية استراتيجية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ