قال احدهم «نتمنى أن نكون أسماكا... فالحكومة والمجتمع البحريني يحبون الأسماك كثيرا ويسعون من أجل راحتها»، أن يصل بهم الحال إلى ذلك الشعور فهي مصيبة حقا، وأن يصل بهم التمني إلى هذا الحد فذلك هو اليأس بعينه، هي ليست حالة منفردة بل حالات متكررة في بلد يعج بآلامهم وصرخاتهم فهناك قصور طبي وقصور إنساني يجري عليهم فمتى ننصفهم؟، ومتى نخفف من تلك الآلام؟، بل متى نعطيهم ما هو حقهم؟، أما آن الأوان لفتح ملفهم، فهل من مغيث؟
هنا في البحرين يكاد لا يخلو طوارئ السلمانية يوما من مريض يشكو من آلام السكلر، مرض تشتهر به البحرين أكثر من سواها، إذ يوجد بها ما يقارب من 18 ألف مريض يعاني من هذا المرض، يتركز غالبيتهم في المحافظة الشمالية ثم تليها محافظة العاصمة وتكون أقل نسبة منها في محافظة المحرق، وتكاد تنعدم في المحافظة الجنوبية.
بلغ عدد الوفيات لمرضى السكلر في العام 2005 ما يقارب 40 حالة وفاة، بينما كان عدد الذين أدخل منهم مجمع السلمانية الطبي في العام 2006 لتلقي العلاج نحو 16 ألف مريض منهم بحسب إحصاءات وزارة الصحة البحرينية.
من المعروف أن مرض السكلر من الأمراض المزمنة، وهو مرض وراثي ينتقل من والديّ المريض اللذين يكونا عادة من حاملي المرض أو المصابين به. هذا المرض ينتج عنه خلل خلقي في تكوين مادة الهيموغلوبين الموجودة في كرات الدم الحمراء، إذ تتحول من شكلها الطبيعي الدائري إلى شكل غير طبيعي منجلي - هلالي - ما يجعل هذه الخلايا الحمراء غير قادرة على القيام بوظيفتها الطبيعية، ويستعصي عليها المرور من خلال الأوعية الدموية الدقيقة ما يزيد من خطورة المرض، كما أن مريض السكلر معرض لمضاعفات كثيرة منها الإصابة بفقر الدم المزمن، والتعرض لالتهابات بكتيرية خطيرة، والإصابة بتضخم في الطحال الذي قد يحدث بشكل مفاجئ ما يؤدي إلى نقص حاد في الدورة الدموية فيجعل حالة المريض تتدهور بشكل سريع وخطير.
من الملاحظ أن مرضى السكلر في البحرين يفضلون تلقي علاجهم بشكل أساسي في مجمع السلمانية الطبي أكثر من المراكز الصحية، بسبب عدم وجود طبيب متخصص في أمراض السكلر في المراكز الصحية، كما أن العلاج يختلف في طوارئ السلمانية عنه في المركز، إضافة إلى أن ممرضي الطوارئ أقدر على التعامل مع المرضى من خلال تمكنهم من غرس إبرة السيلان الذي يحتاج في غالبية الأحيان إلى أكثر من أربع محاولات للتمكن من وضع الإبرة بشكل سليم.
هذا الضغط على مجمع السلمانية الطبي يشكل مشكلة أساسية لمرضى السكلر، فمع آلامهم الحادة، وضرورة حالتهم وخطورتها، تقابلها تأخرهم في إدخالهم إلى المستشفى بسبب نقص الأسرة، وعند إدخالهم إلى الأجنحة فإنهم يتوزعون على ستة عشر استشاريا لمختلف التخصصات منها: الكلى، الغدد، الأمراض المعدية، الدم، الأورام، والأطفال، كما لا توجد آلية محددة متبعة لعلاج مرض السكلر، فكل طبيب يبدي علاجه بحسب ما يراه مناسبا للحالة، وما يزيد الأمر سوءا أنه لا يوجد علاج مناسب لهم إنما الطريقة المتبعة لعلاجهم هي المخدرات الطبية وهي وسيلة مؤقتة للتخفيف من حدة النوبة وليس سبيلا للعلاج، إذ يتم الاعتماد على عقار الهيدروكسيوريا كعلاج أساسي وهو كما هو معروف عقار كيمائي صنع خصيصا لعلاج مرضى السرطان، وقد ثبتت فعاليته في تحسين أداء النخاع، ولكن هل يصلح هذا الدواء لكل مريض مصاب بداء السكلر؟
جاميكا الإفريقية ليست بحال أفضل منا، فقد استطاع ذلك البلد الإفريقي أن ينجح في التعامل مع مرض السكلر وتوفير ما يخفف من حدة الآلام والتوترات النفسية التي تصاحب المصابين بذلك المرض، لقد نجحت البحرين في تعميم الفحص الطبي قبل الزواج بغية التقليل من احتمالية إصابة الجيل المقبل به، لكن ماذا عن 18 ألفا الذين يعيشون بيننا وهم يتألمون، ويطالبون بحل يريحهم بدلا من التيه بين طوارئ السلمانية وأجنحتها؟ ما هو مطلوب ليس بعزيز إنما يكمن في:
- إنشاء خمسة مراكز علاجية في المحافظات الخمس متخصصة لاستقبال وعلاج مرضى السكلر فقط.
- ابتعاث الأطباء للتخصص وفتح مجال البحوث والدراسات الخاصة بهذا المرض.
- إنشاء ملف إلكتروني خاص لكل مريض مصاب بالسكلر لمتابعة تطور حالته.
- استحداث خدمة رعاية المرضى في المنازل لضمان حصولهم على الرعاية المناسبة.
- إصدار بطاقة صحية خاصة لكل مريض يحملها معه ليستخدمها عند الحاجة إلى خدمة أو معاملة خاصة في الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات الخاصة لإنهاء معاملاته.
- توفير مشرفين اجتماعيين ونفسيين لمتابعة استقرار أوضاعهم النفسية والاجتماعية في منازلهم ومقار عملهم.
لكن الأمر لم يعد قاصرا على الوضع الصحي لمرضى السكلر إذا كان هو الأهم، فمازالوا بحاجة إلى قانون عمل ينصفهم ويؤمن معيشتهم ولن يتم ذلك إلا من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير أهمها:
- توفير عمل مناسب لهم من خلال إصدار قانون يلزم الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة بقبول نسبة معينة من مرضى السكلر بين موظفيها.
- خفض ساعات العمل وبخاصة للنساء.
- خفض سنوات التقاعد، والمرونة في منح الإجازات وخصوصا المرضية منها.
- العمل على حمايتهم من التعسف الإداري الذي يمارس ضدهم من خلال لجنة متابعة خاصة بهم في وزارة العمل.
ربما، تلك مطالب لم يتعود البعض على سماعها، وإن رآها في الواقع يتصور ذلك تمييزا، لكن الجميع يريد لهم أن يعيشوا بيننا بسلام، حتى لا نتحول نحن والألم عليهم، فمتى يكون ذلك؟ ومن يأتي بالتغيير؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2196 - الثلثاء 09 سبتمبر 2008م الموافق 08 رمضان 1429هـ