العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ

العمامة السوداء والدولة الدينية

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أفهم أن يتحدث من لا يمت إلى الإسلام بصلة عن فصل الدين عن الدولة، وأن يهاجم من يسميه «إسلاما سياسيّا» و»فكرا دينيّا» بدعوى أن دولة الإسلام لا سياسة فيها، وبدعوى أن الفكر الديني يحارب العلم والرقي والتقدم.

ولكن أن يقول هذا الكلام صاحب عمامة سوداء يكاد رأسه ينوء من ثقلها وينتسب في الوقت نفسه إلى الرسول (ص) فهذا ما لم أتسطع أن أفهمه أو أهضمه.

كنت أتمنى من صاحب تلك العمامة أن يراجع أبجديات الإسلام التي يفهمها طالب الابتدائية فضلا عن رجل ينسب إلى الدين، ولو فعل ذلك لعرف حجم الجهل الذي متعه الله به، ولأدرك كم هو مخطئ في كل كلمة قالها.

يقول - رحمه الله - إن جده رسول الله، وأسأله: هل جده كان رجل دين أم رجل سياسة أم أنه جمع بين الوظيفتين في وقت واحد؟

الرسول (ص) كان رئيس الدولة، وهذه وظيفة سياسية بالمفهوم الحديث، وكان مفتيا وقاضيا وإمام المسجد، وهذه وظائف دينية بالمفهوم الحديث. فهل كان جده مصيبا أم مخطئا؟

لعله يقول: إن للرسول (ص) خصوصية في هذه المسائل باعتبار النبوة، ومع معرفتي بخطأ هذا القول فإنني أسأله مرة أخرى: ألم يمارس خلفاؤه من بعده هذه المهمات كلها؟ هل كانوا هم أيضا مخطئين؟! ألم يفهموا الإسلام كما يفهمه هو؟

سأفترض أن الشيخ ذا العمامة لا يعرف التاريخ أفلم يقرأ القرآن الكريم ولو لمرة واحدة في حياته؟ هل وجد في القرآن فصلا واضحا بين الدين والسياسة؟ هل استنتج من خلال قراءته أن الله سبحانه خلق أقواما للدين وآخرين للسياسة وجعل بينهما حجابا؟ فليقل لي - يرحمه الله - من أين أخذ ذلك الفهم السَّقيم.

كيف يمكن أن نفصل السياسة عن الدين أيها الشيخ؟ ولو تم ذلك لوجب أن يفصل جميع المشايخ من أصحاب العمائم السوداء أو البيضاء من كل الوظائف التي لا تنطبق عليها سمات الوظائف الدينية، فهل تقبل بذلك؟ وإذا قبلت به - ولا أظنك تفعل - فلن يقبل به «علماء الدين» الآخرون.

في البرلمانات العربية «علماء دين» سنة وشيعة, وهذه البرلمانات - ومن في حكمها - ليست من الجهات الدينية بل هي سياسية من رأسها حتى أخمص قدميها، فلماذا قبل هؤلاء العمل فيها؟ لماذا جمعوا بين الدين والسياسة في وقت واحد؟

إذا قلت لي أيها الشيخ إنهم تركوا الدين عندما دخلوا باب السياسة فلعلي أفهم سر ما عملوا... هذا إذا وافقوك على هذا القول ولعلهم لن يفعلوا... إذن ما هو السر وراء أفعالهم؟

الشيخ - يرحمه الله - ليس مقتنعا بإدخال وإقحام الدين في الانتخابات، أقول: حسنا أيها الشيخ، هل يمكن أن تفسر للآخرين كيف فعلت ذلك بنفسك؟! ومن أوصلك إلى البرلمان؟

الحديث عن علاقة الدين بالسياسة لم يكن محل نقاش في كل العصور الإسلامية - الزاهرة وغير الزاهرة - وإنما دخل في حياة المسلمين مع الاستعماري الغربي وبعد الصراع الرهيب بين الكنيسة والعلماء في أوروبا والذي انتهى باقتناع الأوروبيين بوجوب الفصل بين الدين والسياسة في حياتهم.

لكن هذه العلاقة السيئة بين الدين والعلم لم توجد مطلقا في تاريخ المسلمين، كما لم توجد أي علاقة سيئة بين العلماء ورجال السياسة إلا في حالات نادرة عندما يخرج الحاكم على الصريح من شرع الله فهنا قد يتصدى بعض العلماء لمثل هذا الفعل بالإنكار المشروع الذي يأمر به الدين... وهذا الفعل لا يعد حربا بين الدين والسياسة، فلماذا إذن نروّج مثل هذه الأفكار في مجتمع إسلامي ليس بحاجة إليها، بل إنها خروج صريح على معتقداته؟

في الدولة الإسلامية «الدينية» برز أفضل العلماء في ذلك الزمن، وأبدعوا في كل الفنون، وكانوا منارة للحضارة الأوروبية آنذاك، وكان لهم تقديرهم الذي روته كتب التاريخ والسِّير، فمن قال إن هذه الدولة تحارب العلم وتقتل التفكير؟

وإذا كان التاريخ تحدث عن بعض معاناة علماء الفلسفة أو المنطق فلا يمكن أن نحكم على أجيال بكاملها من خلال أحداث قليلة لا تقاس عليها حضارة الأمة الإسلامية التي لاتزال آثارها باقية حتى اليوم.

لكل أحد الحق في أن يعتقد ما يشاء، ولكل أحد الحق في أن يبحث عن منصب هنا أو هناك، ولكن من العيب أن يكون هذا الحق مبنيّا على انتهاك الدين الذي يجب أن نقدسه مهما تكن المغريات

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً