لكي توصف البلد بأنها صناعية يجب أن يقع مصنعا بين كل مصنع وآخر. ولكن إذا ما وقع مجمع تجاري بين كل مجمع وآخر يوصف الاقتصاد في هذا البلد بأنه يشهد نموا سريعا في قطاع تجارة التجزئة، ويختلف الكثيرون في تعريف تجارة التجزئة ولكنها وباختصار شديد هي كل سلعة/ خدمة تباع داخل الصالات المغلقة حيث يدخل الزبون ويستقبله الموظف ليساعده على اختيار ما يحتاجه من سلع وخدمات فهي تجارة تجزئة. في البحرين وعلى رغم غياب الإحصاءات نتفق جميعا بأنّ قطاع تجارة التجزئة يُعتبر واحدا من أسرع الأنشطة الاقتصادية نموا بالمملكة ويشهد هذا القطاع افتتاح كثير من المجمّعات والأسواق التجارية منها على سبيل المثال: سيتي سنتر، وهناك حديث عن سيتي سنتر 2، إعادة صيانة وتوسعة مجمع الشيراتون، مرفأ البحرين المالي، لولو سنتر هايبر(4 محلات)، والكثير قادم في الطريق، وطفرت أرقام الموظفين في شركات البيع بالتجزئة لتشهد نموا فاق الـ 100 في المئة في أقل من سنة واحدة في معظم مؤسسات تجارة التجزئة.
وإذا ما أخذنا هذه الظواهر بالاعتبار فإنّ البحرين، ومنطقة الخليج مقبلة على طفرة اقتصادية قادمة في مجال تجارة التجزئة والتي تمثل في كثير من جوانبها بعض نتائج العولمة، حيث أصبح المتسوّق بالبحرين باستطاعته شراء أي منتج عالمي بسبب كثرة محلات تجارة التجزئة والتي تعرض العلامات التجارية العالمية في الألبسة والأطعمة وغيرها.
في ظل هذه الطفرة نحن بحاجة إلى إعداد دراسات دقيقة تستطيع، من خلالها تطوير العناصر البشرية المطلوبة للعمل في محلات التجزئة وقد بدأ صندوق العمل في إعداد دراسة علمية تلبي جانبا من الطموح، ولكننا بحاجة إلى جهود أكبر متضافرة بين الجهات ذات الاختصاص للمساعدة في إعداد الموارد البشرية المطلوبة للعمل في هذا القطاع.
كغيره من القطاعات فإنّ قطاع تجارة التجزئة يحتاج إلى كثير من الوظائف المتخصصة ذات المردود المادي الكبير والمستقبل الوظيفي المشرق ومنها على سبيل المثال: عارض البضائع، مساعد المبيعات المحترف، مديري المحلات التجارية، فني المخازن... إلخ. ولكي تستفيد البحرين من هذه الطفرة وهذه الوظائف الراقية لإحلال أبنائنا فيها فإننا بحاجة إلى عمل جاد ومتواصل ويتمثل فيما يلي:
توفير المعلومات الإحصائية الدقيقة
أنْ نهتم بتحديد الإحصاءات الدقيقة التي تبين أنواع الوظائف المتوافرة بهذا القطاع والأعداد المطلوبة للعمل على المدى القصير والبعيد وكذلك تحديد الكفاءات المطلوب توافرها لدى شاغلي هذه الوظائف لتحديد أنواع التدريب الفعّال لتأهيل الكوادر البشرية المطلوبة وإعدادها إعدادا يتناسب وهذه المهن.
توحيد الجهود وتحديد الأدوار
لدينا عدّة جهات مختصة في هذا المجال بالبحرين، ويأتي على رأسها المجلس النوعي للتدريب في قطاع التجزئة، وقد بدأ بعض المبادرات الجيّدة في مجال إعداد الكوادر البشرية المطلوبة في هذا القطاع، ولكن المجلس بحاجة إلى المساهمة في توفير معلومات وإحصاءات أدق بصفته بيت تجار التجزئة ويوجد في مجلس إدارته أكبر عدد من العاملين بقطاع التجزئة.
من جانب آخر، تحرك صندوق العمل لإنجاز دراسة/ إحصائية في هذا المجال ونحن متفائلون بنتائجها بانتظار نشرها كاملة أو الأجزاء الممكنة منها والتي ستساعد الكثيرين في توجيه بوصلة إعداد الكوادر البشرية إلى الوجهة الصحيحة، معتمدين على هذه الدراسة ونتائجها المرجوة.
المساهمة في تطوير ثقافة العمل في قطاع التجزئة:
تنتشر بين كثير من البحرينيين ثقافة قديمة وهي استصغار العاملين في الدكاكين، حيث كان آباؤنا قديما يقومون بتعليمنا للعمل في المكاتب والابتعاد عن العمل في الدكاكين، حيث كان هذا المفهوم مبنيا على أساس أنّ العاملين في الدكاكين هم أقل الناس تحصيلا في مجال العلم وأقلهم حظا في التطوّر وظيفيا. أمّا اليوم، فنحن أمام تحدٍ كبير يجب فيه أنْ نقنع أولياء الأمور بأن يعلّموا أولادهم لإعدادهم للعمل بالمحلات والأسواق التجارية المنتشرة في البحرين وذلك لما لهذا من مردود إيجابي على المستقبل العملي والمادي لأبنائنا.
وفي هذا الجانب خطت وزارة التربية والتعليم خطوة جيّدة بإطلاق مبادرة إضافة التدريب في قطاع التجزئة كجزء من المناهج في المرحلة الثانوية وهذا سيسهم في إحداث التغيير في الموروث الثقافي السائد. وهذا الجهد وحدَه لا يكفي، نحن بحاجة إلى إنشاء مؤسسات متخصصة للتدريب في قطاع التجزئة لمواصلة ما بدأته وزارة التربية والتعليم لإلحاق أبنائنا في برامج معتمدة عالميا ومحليا، ولإعطائهم التدريب العملي القادر على تطوير مهاراتهم المطلوبة للعمل في قطاع التجزئة.
على الجانب الآخر فنحن بحاجة لجهد إعلامي يسهم في نشر ثقافة العمل بالأسواق والمجمعات التجارية وتغيير النظرة السائدة باستصغار هذه الأعمال. وفي هذا الجانب يستطيع تلفزيون وإذاعة البحرين أن يلعبا دورا كبيرا بالتعاون مع وزارة العمل، صندوق العمل والمجلس النوعي للتدريب في قطاع التجزئة والمهتمين في هذا المجال.
فإذا ما نجحنا في البحرين من الاستفادة من تجاربنا الناجحة في إعداد الكوادر البشرية لقطاعات كثيرة نمت في البحرين كقطاع المصارف وغيرها، فإننا سنخلق قاعدة قوية نستطيع من خلالها إحلال أبناء البحرين للعمل في محلات التجزئة ذات المردود المادي المرتفع والمستقبل الوظيفي الناصع بدلا من مواصلة الاعتماد على الكوادر الأجنبية.
تطوير المعايير المهنية لقطاع تجارة التجزئة
حتى نؤسس لتأهيل علمي قادر على إعداد الكوادر البشرية المطلوبة للعمل في قطاع التجزئة فإننا بحاجة إلى تطوير معايير وأوصاف وظيفية للمهن المراد شغلها بالقطاع، وكذلك إعداد معايير تدريبية عالمية تهدف إلى ترخيص أنواع البرامج التدريبية النافعة فقط والقادرة على بناء الكفاءات المطلوبة، مع الأخذ بالاعتبار أن تحافظ هذه المعايير على خصوصية التدريب في هذا القطاع في شكله العملي الخالص ونتمنى أن لا تخلط الأمور فيه كما هو الحال في بعض أنواع التدريب بالمملكة، وعليه نتمنى أن تكون هناك مؤسسات متخصصة في هذا الجانب و ألا يسمح لكلّ من فتح معهدا أو جامعة أنْ يتأهل آليا لهذا النوع من التدريب.
وأخيرا، نتجه نحو المجلس الأعلى للتدريب المهني ونطالبه بالإسراع في تطوير المعايير الفنية والمهنية اللازمة؛ لتنظيم عملية تدريب الكوادر البشرية لقطاع تجارة التجزئة لتأكيد استفادة أبناء البحرين من هذه الطفرة الاقتصادية، وتأكيد صلاحية وقدرة أبنائنا لإدارة المهام الوظيفية المطلوبة.
ولن يتحقق هذا الأمن، إلاّ من خلال تطوير معايير مهنية واضحة لقطاع تجارة التجزئة التي تشمل:
معايير البرامج التأهيلية/ التدريبية، معايير مقدّمي هذه البرامج، الأوصاف الوظيفية للمهن بقطاع تجارة التجزئة مع التركيز على المهن ذات المردود المادي المرتفع والمستقبل الوظيفي الواعد. وإذا لم يحدث هذا سنكرر الأخطاء التي وقعنا فيها سابقا، وأذكركم هنا بأننا في البحرين قمنا بتدريب أعداد كبيرة لزيادة نسبة البحرنة في القطاع الفندقي، وبنظرة سريعة للعاملين في القطاع الفندقي فأننا نؤكد بأنه كان في بالإمكان أفضل مما كان.
إذا لم يسرع المجلس الأعلى للتدريب المهني في أصدار التشريعات والمعايير المهنية المنظمة فلن أستغرب أن نرى مستقبل كثير من خريجي البرامج التدريبية في قطاع تجارة التجزئة غير قادرين على العمل في القطاع بسبب عدم فعالية التدريب، وسنحتاج لبرامج أخرى لإعادة تأهيلهم وسنستمر في دوامة التدريب والتعليم وإعادة التأهيل، وقد نرى الجامعات الأكاديمية التي فشلت في تنفيذ برامجها الأكاديمية هي بيوت الخبرة الرائدة في مجال التدريب في قطاع التجزئة، وقد يخرج علينا من جديد بعض أصحاب الفنادق يدعون بأنهم الأكفاء والأقدر على تدريب أبنائنا للانخراط في مجال تجارة التجزئة وبذلك تتكرر الأخطاء ونعيد دورة الفشل من جديد.
أنظروا كم من أبناء البحرين تم تدريبهم للانخراط في مجالات مختلفة، ولم يستطيعوا بسبب ضعف البرامج التدريبية وغياب المؤسسات التدريبية المتخصصة! وهذا كله بسبب غياب المعايير المهنية المنظمة لعملية تطوير الموارد البشرية في بعض القطاعات
إقرأ أيضا لـ "عبدعلي محمد حسن "العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ