لم يكن فوز آصف زرداري بمنصب رئيس باكستان يوم 6 سبتمبر/ أيلول 2008 مفاجأة، ذلك أن انتخاب رئيس باكستان يتم بالاقتراع السري من المجالس المحلية ومن مجلسي البرلمان الفيدراليين في إسلام آباد (مجلس الأمة ومجلس الشيوخ) وأظهرت نتائج التصويت حصول زرداري على النتائج التالية من الأقاليم (السند 65، البنجاب 22، الحدود الشمالية الغربية 56، بلوشستان 59 ومن البرلمان بمجلسيه 281 صوتا بإجمالي عدد أصوات 483 من عدد الكلية الانتخابية 702) في حين حصل منافسه القاضي المتقاعد سعيد الزمان صديقي على 133 صوتا والسناتور مشاهد حسين على 44 صوتا.
ولا مراء في أن النتيجة كانت محسومة لصالح زرداري منذ البداية لأن حزبه يمثل الأغلبية في البرلمان وفي 3 ولايات. أما البنجاب فالأغلبية لحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف ويأتي في المقام الثالث الأحزاب الإسلامية وأخيرا حزب الرابطة الإسلامية (قائد أعظم) وهو الحزب المنشق الذي كان مؤيدا للجنرال بيرويز مشرف الذي رشح السناتور مشاهد حسين لمنصب الرئيس.
وتحليل النتائج يظهر الدلالات الآتية:
الأولى: ان إقليم السند الذي يمثل مركز القوة لحزب الشعب صوت مجلسه النيابي بالإجماع لصالح زرداري ويتحالف معه حزب المهاجرين القومي، كما أنه حصل ما يقارب الإجماع في كل من إقليمي بلوسشتان والمناطق الشمالية الغربية وحصل فقط على تلك الأصوات في إقليم البنجاب (ومما يذكر أن عدد أعضاء كل مجلس هو 65 عضوا في الأقاليم الأربعة)، كما حصل على أغلبية من مجلسي البرلمان (281 صوتا من 426 صوتا).
أما إجمالي أصوات المنافسين فكانت 177 أي حوالي ثلث ما حصل عليه زرداري.
الثانية: إنه من حيث النزاهة فالقاضي سعيد الزمان صديقي يمثل قمة النزاهة لماضيه المشرف والبعيد عن أي تقولات، ومن حيث الكفاءة والخبرة يأتي في المقدمة السناتور مشاهد حسين الذي درس العلوم السياسية في الولايات المتحدة ويعتبر متحدثا ذكيا ولبقا ومفوها، وعمل صحافيا وإعلاميا كما عمل وزيرا للإعلام في وزارة نواز شريف الثانية. ولكن الأمر ليس بالنزاهة ولا بالكفاءة وإنما بعدد أصوات المؤيدين في الكلية الانتخابية.
الثالثة: إن السياسة الباكستانية هي سياسة حزبية أقرب إلى العلمانية إذ إن آصف زرداري شيعي، ومشاهد حسين شيعي أما سعيد الزمان صديقي فهو من المهاجرين القوميين وينتمي لإقليم السند، ولم يصوت البرلمان ولا المجالس المحلية على أساس طائفي أو عرقي وإنما على أساس سياسي وحزبي، وهذا ما يعتبر مصدر فخر للشعب الباكستاني الذي يزداد فيه الحس السياسي، ولكن ما يؤخذ على العملية الانتخابية هي عدم الاختيار على أساس الكفاءة والنزاهة الشخصية. وهذا منطقي لأن التصويت على أساس حزبي. وهذا ما دعا عددا من الشخصيات السياسية غير الحزبية وجماهير باكستانية جرى استطلاع رأيها لطرح فكرة أن يكون اختيار الرئيس على أساس غير حزبي. ولاشك أن هذا يبدو منطقيا ولكنه ليس واقعيا في برلمان تسيطر عليه الأحزاب.
الرابعة: إن الرئيس آصف زرداري أعلن عن هويته وأجندته السياسية وتتمثل تلك الهوية في العلاقات أو التحالف الوثيق مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة، وهذه الهوية تبلورت عبر مرحلة طويلة من العلاقات والاتصالات عندما كانت الزعيمة السابقة بنظير بوتو في المنفى وكان آصف زرداري في السجن وتلاحقهما تهم الفساد. كما أن هذه الهوية ترتبط بهوية حزب الشعب نفسه واتجاهاته العلمانية سواء في عهد ذو الفقار علي بوتو أو بنظير بوتو وارتباط الحزب بقضايا الجماهير والاتجاهات نحو الإصلاح الاجتماعي ورعاية مصالح الجماهير ولهذا سبق أن طرح الحزب في مراحل سابقة مبادئه أو شعاراته الثلاثة بضرورة توفير المأكل والمسكن والملبس للجماهير واكتسبت تلك الشعارات شعبية كبيرة أدت لفوز بنظير وعودتها للسلطة العام 1993 ولكنها لم تحقق كثيرا من تلك الشعارات وظل الشعب الفقير يعاني كما كان قبل انتخابها.
الخامسة: حول أجندة الرئيس آصف زرداري فهي محاربة الإرهاب وخاصة القاعدة وتحسين العلاقات مع الهند وتوثيق العلاقات مع الولايات المتحدة وتحسين الأوضاع الاقتصادية حيث يعاني الاقتصاد الباكستاني من حالة من التضخم بلغت 25 في المئة وأدى ذلك لتدهور قيمة العملة ومن ثم تردي مستوى معيشة المواطن.
السادسة: إن السلطتين التشريعية والتنفيذية أصبحتا عمليا في يد آصف زرداري حيث له الأغلبية في البرلمان، ورئيس الوزراء من حزبه، وهو الذي رشحه للمنصب، وهو السيد رضا يوسف جيلاني وهو شخصية هادئة وموالية لزرداري بخلاف الشخصيات القومية في حزب الشعب أمثال مخدوم فهيم والذي كان المرشح الطبيعي لرئاسة الحزب ورئاسة الوزارة بعد اغتيال بنظير، ولكن زرداري يعتبر شخصية طموحة وقادرة على التكتيك والمناورة ومن ثم منع الحزب من إسناد منصب رئيس الوزراء لمخدوم فهيم.
التساؤل الآن حول مستقبل باكستان في ظل تولي آصف زرداري الرئاسة، وفي تقديري أن باكستان لاتزال تعيش في حالة من عدم الاستقرار لفترة ومن ثم فإن السيناريوهات المتوقعة هي:
الأول: نجاح زرداري في تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة وإثبات قدرته على مقاومة الإرهاب والطالبان الباكستانية وتحسين الاقتصاد وهو ما يستلزم الحصول على جرعة من المعونات الاقتصادية الأميركية والدولية من ناحية، وإقناع الرأسماليين الباكستانيين بالتركيز على العمل لإنعاش الاقتصاد من ناحية ثانية، ومحاربة الفساد من ناحية ثالثة لكي يحسن زرداري صورته غير الطيبة لدى الشعب الباكستاني لسابق سمعته والاتهامات التي وجهت له عبر عقود مضت.
الثاني: ألا يستطيع زرداري السيطرة على الأمور ويتحرك حزب الرابطة الإسلامية من خلال دعوته لإعادة القضاة المفصولين وعلى رأسهم قاضي القضاة افتخار شودري وإثارة الشارع الباكستاني وتستمر حالة الاضطراب الأمني في إقليم سواط والمناطق الشمالية الغربية وعلى الحدود مع أفغانستان ومن ثم يفقد زرداري قدرته على السيطرة على الأمور ويفتح الطريق في هذه الحالة للسيناريو الثالث.
الثالث: وهو إما إجراء انتخابات مبكرة يفوز فيها حزب الرابطة الإسلامية أو أن تؤدي حالة الاضطراب السياسي والأمني وحالة التدهور الاقتصادي إلى تدخل الجيش الذي يراقب الأمور عن كثب، والذي أظهر تعاطفا مع زرداري، ولكن في حالة إخفاق الأخير فإن الإغراء دائما لدى العسكريين للعودة إلى السلطة أسوة بالسوابق في هذا الصدد.
وفي كل الأحوال فإن باكستان مقبلة على مرحلة تتسم بصعوبة التنبؤ وقد تتحسن أو تتدهور فجأة، وهذا ما يثير القلق لدى الولايات المتحدة والهند بشأن السلاح النووي الباكستاني. ولكن من اللافت للنظر مبادرة ثلاث دول لتهنئة زرداري وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران وكل دولة لها أسبابها وربما لها أجندتها بالنسبة لباكستان. ومن ثم فمن الضروري مراقبة التطورات في الفترة القادمة لارتباط أمن الخليج بأمن باكستان خاصة وشبه القارة الهندية وإيران بوجه عام
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2193 - السبت 06 سبتمبر 2008م الموافق 05 رمضان 1429هـ