العدد 2188 - الإثنين 01 سبتمبر 2008م الموافق 29 شعبان 1429هـ

رمضان محمد... أم رمضان شوقي!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ومحمد الذي أعنيه هو محمد رسول الله (ص)، أما شوقي فهو الشاعر المعروف أحمد شوقي «أمير الشعراء» في عصره.

وقد تحدث شوقي عن شهر رمضان في قصيدة قال فيها متحدثا عن مشاعره تجاه «رمضان»:

ولّى رمضان هاتها يا ساقي

مشتاقة تسعى إلى مشتاق!

ويبدو أن رمضان - لست أدري أنهاره أم ليله؟ - كان عبئا ثقيلا على شوقي فما إن انتهى حتى أصابه الفرح الشديد فطلب من ساقيه أن يعطيه ما كان قد اعتاد عليه من صنوف الأشربة المحرمة.

ولشوقي في كل عصر أتباع، فمن هؤلاء من لا يصوم على الإطلاق، ومنهم من يصوم كارها يعد الدقائق والأيام ينتظر زواله لكي يعود إلى عاداته السابقة التي يظن أن الشهر هو الذي حرمه منها.

وبعض المسلمين لا يختلفون عن شوقي كثيرا ولكنهم يوجهون مشاعرهم في اتجاه آخر في الظاهر وإن كان هو الاتجاه نفسه في الواقع.

هؤلاء ينتظرون «رمضان» بشوق ولهفة، لا لأنه شهر عبادة بالمفهوم الواسع لمعنى العبادة ولكن لأنه شهر مليء بكل ما لذ وطاب من الطعام والشراب، والأهم من ذلك كله المسلسلات «الرمضانية» التي تنعش القلب وتجعله أبعد ما يكون عن تقبل حقيقة رمضان كما أرادها رسول الله (ص).

عدد لا يستهان به من القنوات العربية عبَّرت عن حرصها الشديد على المسلمين في هذا الشهر فبدأت قبل قدومه تعلن عن أهم إنجازاتها وإبداعاتها التي حرصت على تقديمها في هذا الشهر تقربا إلى الله وخدمة لعباده المؤمنين!

بطبيعة الحال استجاب عدد كبير من صالحي الأمة لهذه النداءات المتكررة والمغرية فأصبحوا يسجلون مواعيد كل مسلسل وقناة عرضه لكي لا يفوتهم فيحرمون الأجر الكبير!

هذا الصنف يقوم الليل - ولكن بطريقته الخاصة - وينام النهار، وربما يؤدي الصلوات في غير أوقاتها، وربما يتجاهلها بالكلية باعتبار أن قيامه الليل كله يغنيه عنها، ورحمة الله واسعة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها!

هؤلاء يصومون على الطريقة «الشوقية» أما الذين يصومون على الطريقة «المحمدية» فلهم شأن آخر، ولله في خلقه شئون.

لم يفهم أتباع محمد (ص) أن الصيام امتناع عن الطعام في النهار وعبادة في الليل دون أي أعمال أخرى تحقق الهدف من جعل هذا الشهر ركنا من أركان الإسلام.

كثير من المسلمين يصومون في النهار، وربما يشعرون بالجوع، ولكنهم يجدون عند إفطارهم كل ما لذ وطاب مما يكفيهم ويكفي أسرا غيرهم ربما لا تجد ما تفطر عليه.

ربُّنا يعلمنا أن الإسراف من عمل الشيطان، ويأمرنا أن نتفقد من حولنا، ثم الأبعد فالأبعد. وواقعنا يقول: إن في بلادنا أسرا تحتاج إلى مساعدة، وإن بعضها يتعفف عن مد يده للناس، وإن الواجب أن يقف كل قادر مع هذه الأسر.

وواقعنا يقول: إن أعدادا كبيرة من المسلمين في شتى أصقاع الدنيا يعيشون في مجاعة طوال العام، والله يأمرنا أن نمد أيدينا إليهم فهم ونحن كالجسد الواحد، أو هكذا يجب أن نكون.

وواقعنا يقول: إن هناك نحو مليونا ونصف مليون مسلم في غزة محاصرون من عدو يتربص بالأمة المسلمة، وإن هؤلاء يعانون من الفقر والمرض وإن واجبنا الإسلامي والأخلاقي أن نمد أيدينا لهم بالمساعدة.

وشهر رمضان فرصة لإعادة النظر في واقع المسلمين بشمولية أوسع، ونظرة أعمق، فهذا الواقع ينبئ بأن المجتمعات المسلمة تعاني من تخلف ثقافي وصناعي وزراعي وأنها تعتمد في معظم احتياجاتها على غيرها وأن هذا الغير ربما يعطيها بعض ما تطلبه وبشروط مذلة وربما لا يعطيها شيئا.

ولأن المسلمين ينبغي أن يكونوا كالجسد الواحد - كما قال رسولنا الكريم - فإن من واجبهم أن يتعاونوا - كل بحسب قدرته - على أن يحققوا التكامل بينهم ليصبحوا أمة قوية تعتمد على نفسها وأبنائها في كل شيء.

ورمضان «المحمدي» يعلمنا أن الإسلام يحارب العجز والكسل وإضاعة الوقت فيما لا طائل من ورائه. والتاريخ يحدثنا أن أهم معارك المسلمين وقعت في «رمضان»!

شهر رمضان فرصة حقيقية ليراجع كل منا واقعه، وفرصة حقيقية ليراجع حكام المسلمين واقع أمتهم في مشارق الأرض ومغاربها لعلهم يفكرون في عمل شيء يوحد شتات هذه الأمة فليس هناك شيء أحسن من الوحدة. وكل رمضان وأمتنا وبلادنا بخير

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2188 - الإثنين 01 سبتمبر 2008م الموافق 29 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً