العدد 2186 - السبت 30 أغسطس 2008م الموافق 27 شعبان 1429هـ

البحرين: عقبات التحول الديمقراطي والإصلاح (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

سنحت في تاريخ البحرين الحديث فرص للإصلاح والتحول الديمقراطي، لكنها تبددت لعدة أسباب أو نتيجة ظروف غير مواتية.

الأولى: خلال الخمسينيات عندما قامت هيئة الاتحاد الوطني (1955 -1957) كحركة تحررية تطالب بوضع حد لتدخل الانجليز في الشئون الداخلية في البلاد وإدخال إصلاحات على نظام الحكم المشيخي في ظل حكم المرحوم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.

وقد تمتعت الهيئة بدعم واسع من شعب البحرين، من الشيعة والسنة، وشرعية تمثيلها لشعب البحرين، لكن المحاولة فشلت بسبب معارضة الانجليز وهم الوسطاء في المفاوضات، وخصوصا المستشار بلغريف الذي كان يخوِّف الحاكم من نوايا الهيئة لانتزاع الحكم منه. وجاءت أعمال الاحتجاجات الواسعة بما رافقها من أعمال تخريب، إثر العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، لتشكل فرصة سانحة للانجليز للانقضاض على الهيئة وتصفيتها ونفي واعتقال زعمائها.

الثانية: عندما تم الاتفاق بين الأطراف الأساسية وهي بريطانيا وإيران والبحرين للجوء للأمم المتحدة لتقرير مستقبل البحرين، في ضوء خطة بريطانيا للانسحاب من الخليج والادعاءات الإيرانية بتبعية البحرين لها. وقد حدث تلاحم لا سابق له بين شعب البحرين وحكامه، في خيار شعب البحرين بالاستقلال في دولة عربية في ظل حكم آل خليفة من خلال استقصاء الرأي الذي أجراه نائب الأمين العام للأمم المتحدة جوشباردي في أبريل/ نيسان 1970، بعد أن أكد كبار المسئولين أن شعب البحرين سينال كل مطالبه بما في ذلك البرلمان والحريات العامة وتطوير البلاد.

وعلى رغم التأخير في إعلان الاستقلال لأكثر من عام، فإن إعلان الاستقلال في 14 أغسطس/ آب 1971، قد تبعته تحولات أهمها إصدار الدستور من خلال المجلس التاسيسي المختلط انتخابا وتعيينا، وإجراء أول انتخابات عامة للمجلس الوطني في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1973، مدشنا بذلك ديمقراطية برلمانية محدودة.

كان بالإمكان تطور التجربة لولا أن أجهضها الحكم بعد أن ضاق ذرعا بمحاولات البرلمان لممارسة دوره التشريعي والرقابي والحد من سلطات الحكم شبه المطلقة والتصرف بالأراضي ودخل النفط، وتقنين الوجود العسكري الأميركي.

وهكذا، بعد أن عارضت جميع الكتل البرلمانية قانون امن الدولة الذي صدر خلال إجازة المجلس، اتخذ ذلك حجة من قبل الحكومة لاتهام المجلس بإعاقة عملها ومن ثم الاستقالة، وتبع ذلك حل المجلس الوطني وتعليق العمل بمواده الحيوية من الدستور في 26 أغسطس 1975، وبالتالي إجهاض التحول الديمقراطي.

مرحلة أمن الدولة

مرت البحرين بمرحلة عصيبة من تاريخها إثر حل المجلس الوطني المنتخب الأول في تاريخ البلاد وتعليق الحياة النيابية والحكم في ظل قانون امن الدولة الذي امتد من 26 أغسطس 1975 حتى 6 مارس/ آذار 1999. عند صعود أمير البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم خلفا لوالده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (رحمه الله).

أي أن مرحلة القمع هذه استمرت 27 عاما، خضعت فيها البلاد لحكم استبدادي في ظل قانون امن الدولة ومحاكم امن الدولة. وقد شمل التدهور في أوضاع البلاد جميع النواحي السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والبيئية.

لقد جمعت السلطة في ظلها احتكار السلطة واحتكار الثروة. وهكذا تراجعت البحرين عن موقعها الريادي في التنمية والتعليم والتحضر بين دول الخليج الأخرى، وتراجع مستوى المواطنين، وعمت البطالة، واحتدمت أزمة الإسكان. وفي أجواء الخوف والبطالة شهدت البحرين هجرة كثير من كوادرها إلى البلدان الخليجية المجاورة.

الفرصة السانحة للتغيير

جاء وصول الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم في 6 مارس 1999، ليشكل فرصة تاريخية لتغيير المسار وللخروج من النفق المسدود.

خاطب سمو الأمير شعبه بعد أسبوع الحداد، طالبا منهم المشاركة جمعيا في مسيرة البناء والتقدم. وقد تجاوبت أطراف المعارضة مع دعوة الأمير وأبدت استعدادها لتهدئة الشارع وفتح صفحة جديدة.

وقد تتالت بعد ذلك خطوات الانفراج والتي تمثلت في إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين وعودة المنفيين والمهجرين في إطار عفو عام غير مشروط وبدأ الحديث عن مشروع إصلاحي سيطلقه الأمير، وهكذا انبثقت فكرة ميثاق العمل الوطني، حيث شكل الأمير لجنة من 46 شخصية ضمت وزراء ومسئولين كبارا وأفرادا من الأسرة الحاكمة وشخصيات مجتمعية بمن فيهم 6 محسوبين على المعارضة. وقد تزامنت المناقشات داخل البحرين لمسودة ميثاق العمل الوطني مع ندوات جماهيرية في الخارج، أسهمت في تطوير هذا المشروع ولكن ليس إلى الحد الذي كانت ترغبه المعارضة الوطنية الإسلامية.

جرى الاستفتاء في 14 - 15 فبراير/ شباط 2001 على مشروع ميثاق العمل الوطني والذي يعتبر الوثيقة الأساسية للإصلاح والتحول الديمقراطي، في استفتاء عام وفاز بغالبية كاسحة بنسبة 98.4 في المئة ممن يحق لهم الاقتراع رجالا ونساء، بعد أن تعهد الأمير باحترام دستور البلاد عن أن يمس أو تنتقص الصلاحيات المناطة بالبرلمان المنتخب.

جرى لاحقا تشكيل لجنة تفعيل الميثاق برئاسة ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة المتحمس للإصلاح، لكن الأمور اتخذت مسارا آخر، وخصوصا بعد صدور الدستور الجديد في فبراير 2002 لتبدأ حقبة جديدة من التجاذب بين مختلف القوى.

إن ما يجري منذ ذلك الوقت حتى الآن عبارة عن خليط من الإصلاحات المحدودة وخطوات إلى الأمام وأخرى إلى الخلف.

كما أن هذه المسيرة محكومة بظروف المحيط الخليجي وتشابكاته في إطار مجلس التعاون الخليجي، ومنذ حدث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 فإن هذه التغييرات تتم في ظل أجندة عالمية جديدة للولايات المتحدة الأميركية عنوانها الحرب العالمية على الإرهاب وإصلاح الأنظمة ودمقرطتها بالمفهوم الأميركي، وخصوصا الأنظمة الحليفة مثل البحرين.

ما هي أسباب هذا التعثر في الصلح والتحول الديمقراطي، على رغم الحماس الكلامي له من قبل الحكم واعتبار الاستفتاء على الميثاق تجديدا لشرعية الحكم؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2186 - السبت 30 أغسطس 2008م الموافق 27 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً