كنت جالسا في أحد المقاهي مع مجموعة من الأصدقاء، طرحت سؤالا على صديقي طالب الطب حسين العرادي عن حقيقة التوحم أو ما يسمى بالعامية «التنسي» الذي تصاب به النساء خلال فترة حملهن، ومدى حقيقة هذا الأمر من كونه مجرد دلع نسوان، وعن حقيقة الشامة التي تخرج في جسم الطفل إذا لم يوفر للسيدة الحامل طلبها حتى لو كان أكل قالب صابون كما في المسلسلات والأفلام القديمة.
الصديق الذي طالما وثقت في أجوبته الطبية قال أن حالة «التنسي» التي تصيب النساء في حملهن كما هو حال الصائم، إذ أن حالة الجوع التي يكون فيها تجعله يتخيل ويتمنى الأطعمة المختلفة من الثريد والهريس والخبيص والخنفروش والحلوى، وكل ذلك بتأثير الجوع، فما حال الحامل التي تتغذى ويتغذى إبنها مما تأكله، فهي بالتالي تستهلك ضعف أكلها المعتاد، وتحتاج باستمرار لأن تعوض هذا الاستهلاك عن طريق الأكل، لذا نراها دائما تشتهي الأكلات، واحتار العامة في ترجمة ذلك إلا بربطه بالشامة التي تكون أسبابها بعيدة عن هذا الموضوع بتاتا.
هذا الحوار لا يفارقني خلال الفترة الماضية، وخصوصا حينما أمر بالقرب من أحد مراكز التسوق أو سوبر ماركت من ذوي الشعبية في رخص وتنوع بضائعهم، فتهافت الناس على هذه الأماكن بالمئات يوميا لكي يتزودوا بـ «الماجلة» الرمضانية يوحي لمن يشاهدهم وهم يدفعون عربات التسوق التي تكاد تفوض بحمولتها أن العالم مقبل على حرب ضروس ستستمر لعدة أشهر، وليس شهرا واحدا يقضي الناس نصف يومهم فيه دون طعام، ويمكن أن يكونوا فيه نائمين حتى، والباقي من اليوم خلال فترة الإفطار هي مساحة حرية لأكل خفيف ومتوازن، لا لمعركة مع أمعائنا ومصاريننا.
فجعة الناس في شهر رمضان هذه صارت أشبه بعرف سنوي كنت ألحظه منذ الصغر، رغم أن والديّ كانا يفضلان أن يخرجا في الليل لشراء عصائر وألبان للسحور، وموضوع الفطور اليومي يمكن تدبره بشراء بعض الأمور التي توفرها البرادات القريبة أو السوق المركزي بشكل يومي، وذلك ما جعلني أدرك سبب أن والدي لم يكن يشتكي يوما خرما في أوزون محفظته، ولا والدتي اشتكت نقص شيئ من البيت؛ أما ما يحدث اليوم، فالناس تهجم على الأسواق، وتشتري كل شيء في آن واحد، إذ هي زيارة العمر وشهر الله المبارك الذي لا يبخل الله فيه ولا عباده على أنفسهم، فتمتلئ السلال بأواني الطبخ والأواني الورقية للتوزيع وأوراق التغليف وكافة أشكال المعلبات والغير معلبات، وكأني بكل شخص يحمل في بطنه طوال الشهر جنينا يلزمه أن يأكل عن نفسه وعنه وعن إثنين آخرين في علم الغيب حتى لا يشعر بأي جوع طوال اليوم.
إقرأ أيضا لـ "علي نجيب"العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ