ما جرى لهذه العائلة منذ 1997 حتى يومنا هذا لا يمكن أن يستوعبه العقل، وخصوصا أنها قضت بين ربوع البحرين أكثر من 48 عاما، وترعرع أبناؤها على تراب هذا الوطن ونشأوا بين أحضانه... الإقامة وتجديدها وسحبها كانت الهم الذي لاحقهم سنين طوال، حتى أمر جلالة الملك بحسم الموضوع وهو ما يؤكده شكري ومنحها الجنسية، وهنا يروي شكري حكايته التي لم تنته بعد.
محمد شكري حضر للبحرين في سبتمبر/ أيلول من العام 1968 مدرسا للرياضيات في مدرسة المنامة الثانوية للبنين (الشيخ عبدالعزيز آل خليفة حاليا) وتزوج وأنجب أولاده الثمانية في البحرين، ثلاثة منهم ارتبطوا ببحرينيات والرابع في غزة وأربع بنات أكبرهن في غزة وثلاث بنات قصّر مطلوب رحيلهن وعمر أصغرهن وقت طلب الرحيل 5 سنوات، ونُقل الوالد لمدرسة النعيم في العام 1979 حتى يونيو/ حزيران 1999 حيث فصل من عمله بقرار من جهات غير معلومة كما يقول شكري علما أن العقد ينتهي سنة 2000.
دخلت قضية شكري منذ قرار الفصل من وزارة التربية والتعليم حيز المجهول وكأنه يسير في طريق مظلم لا يعرف إلى أين يقوده، ومما يزيد من مأساة شكري ما تلقاه عائلته من تنكيل بين فينة وأخرى!
«الوسط» استقبلت محمد شكري الجماصي الفلسطيني الجنسية لتروي من جديد تفاصيل القضية التي بدأتها في التاسع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2002، حين نشر خبر بعنوان «عائلة فلسطينية تقيم دعوى ضد وزارة الداخلية»... وأشار الخبر حينها إلى أن عائلة فلسطينية أقامت دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية وضد مسئول في الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة (إدارة الهجرة والجوازات سابقا)، وطالبت القضاء بصفة مستعجلة بمنع المدعى عليهما ترحيلها خارج البلاد وإعادة تثبيت إقامتها التي ألغيت. وطالبت العائلة المكونة من تسعة أفراد بينهم أطفال بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا لها بالتضامن 10 آلاف دينار تعويضا عن الأضرار التي لحقت بها بسببهما.
وجاء في لائحة الدعوى أن المدعى عليه الأول لكونه مسئولا في الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة
قام باحتجاز جوازات سفر العائلة الفلسطينية فترة طويلة مخالفا بذلك القانون، ثم استغل سلطته مهددا بترحيل العائلة خارج البلاد. في حين أن وزير الداخلية أصدر قرارا سابقا بمنح العائلة الإقامة في البلاد، ولكن المسئول تسلم جوازات السفر كي يثبّت عليها الإقامة، إلا أنه حجز عليها فترة طويلة ورفض تسليمها ثم سلمها بعد صدور حكم قضائي بذلك. وقالت العائلة: إن «المسئول قام بإلغاء إقامتها في البلاد، وقد تسبب بحجزه جوازات سفرها وإلغائه إقامتها بخسائر كبيرة، وحرمهم بذلك من فرصة الحصول على الجنسية البحرينية بعد مرور 35 عاما من إقامتها في البحرين». وأضافت العائلة: «أن وزارة الداخلية مسئولة عن أعمال تابعها، إذ وصل الموضوع إلى وزير الداخلية ووكيل الوزارة من دون أن يقوما بحل المشكلة».
وجاء في لائحة الدعوى أن المسئول كان يهددها ويتوعدها بإبعادها خارج البلاد مما يتضارب مع رباط الإخوة مع الفلسطينيين الذين يعانون من احتلال بلادهم، ويتضارب أيضا مع عضوية مملكة البحرين في جامعة الدول العربية. وذكرت العائلة «أن عائلها خدم البلاد 35 عاما عمل خلالها مدرسا وعلّم عدة أجيال تساهم الآن في بناء الدولة، ولكنها لم تنل شرف الحصول على الجنسية بسبب وقوف المسئول المعني ضدها وتجاوزه صلاحياته ومخالفته القانون، بالإضافة إلى حرمانها لفترة من الحصول على الأوراق الثبوتية من البطاقة السكانية واستصدار شهادات الميلاد للمولودين الجدد في العائلة». وطالبت العائلة بإعادة تثبيت الإقامات الملغاة وخصوصا بعد صدور قرار من وزير الداخلية بهذا الشأن إضافة إلى أحكام القضاء.
التحقيق والمتابعة الأمنية في «الجوازات»
يعود شكري إلى الماضي مستذكرا تفاصيل القضية: «استدعيت لضابط التحقيق حينها، وبكل بساطة قال لديك شهر لمغادرة البحرين حيث كان يحتجز جوازات العائلة التي أعيدت لنا بقرار من المحكمة، وطبعا رفض ذكر السبب، وللحظة هذه بعد عشرة سنوات لا اعرف السبب الذي من أجله فصلت من عملي وتم طردي من البلاد من قبل الجهات المجهولة كما سمعت، ولكنني على يقين تام أن هناك خطأ في ذلك، وإن لم يكن فلنعرف السبب حيث الرفض كان سيد الموقف من قبل الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة بالقسم المعروف بالتحقيق والمتابعة الأمنية».
ويتابع شكري «بحثت عن عمل وتعاقدت مع جامعة الخليج العربي وبموافقة وزارة الداخلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999م وعملت قبلها بشهر تجريبي، وكان عملي مبرمجا وأستاذ حاسب آلي وفني حاسب آلي ومازلت للحظة اعمل في هذه الجامعة الشامخة التي تخرج رجال الإنسانية وتخفيف آلام الناس وتعيد المرضى لكامل صحتهم، وقد تم تحويل الكفالة من وزارة التربية إلى جامعة الخليج العربي».
ويواصل «تقابلت في إحدى الفعاليات مع أحد الأشخاص المعروفين في مجلس الوزراء وذكرت له بعضا من قضيتنا، وأوضحت ذلك في رسالة أرسلتها له مع شهادة من الجامعة صباح السبت 21 أكتوبر 2000 بعد أن سلمت وفي اليوم نفسه أوراق الجامعة لأحد الأشخاص في وزارة الداخلية الذي سلمها بدوره لمندوب الجامعة لعمل الإقامة والعودة صباح الاثنين 23 من الشهر نفسه، ولكن في يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2000 استدعى المقدم الذي سلمته الأوراق مندوب الجامعة وأخذ منه الأوراق والجوازات، وقال له: بلغ محمد شكري بالحضور هنا صباح السبت 28 أكتوبر الساعة 7.30. وفي يوم السبت حضر المقدم و طلب مني توقيع ورقة تبين أني أقر بأن الإقامة لي ولأولادي صورية وغير مسجلة لديهم بهدف مغادرتي وعائلتي من البحرين حسب طلب السلطات البحرينية. وطبعا ليس لي إلا التوقيع بعد أن كتبت ما شاء له، وفي انتظار المستقبل حدثت استجابة نتيجة الرسالة التي سلمته للمسئول في مجلس الوزراء، وحسب ظني أعطيت لي الإقامة وكذلك الجواز وكأن أمر الترحيل تم إلغاؤه في الأسبوع الأخير من نوفمبر 2000 فيما أعتقد لعدم وجود تبليغ رسمي بذلك... ومرت الأيام وتم تجديد الوثائق في 10 يناير/ كانون الثاني 2001 وعندما أعطيت للمقدم في 16 من الشهر نفسه طلب وثيقة سفري وقال لي: متى سترحل وعدنا لنقطة الصفر».
الحصول على الإقامة
يقول شكري: «استدعيت لإدارة الجنسية والإقامة والجوازات لإبلاغي بالرحيل ومنحت أسبوعين بعدها سُلمت للنيابة العامة بقصد ترحيلي، ولكن النيابة العامة رفضت ذلك في نهاية شهر ابريل/ نيسان 2005 ولكني علمت بإعادة الكرة مرة أخرى فقامت صحيفة «الوسط» بتبني القضية حتى الحصول على الإقامة، ونشرت حينها خبرا جاء فيه أن الجهات الأمنية أغلقت ملف تسفير أسرة محمد شكري الجماصي الفلسطينية ووافقت على منحه الإقامة في البحرين».
وقال الجماصي الذي يقيم في البحرين منذ أكثر من 38 سنة ويعمل في جامعة الخليج العربي في وظيفة فني حاسب آلي انه يشعر للمرة الأولى بالسعادة بعد أن رأى الابتسامة ترتسم على وجوه أولاده وبناته الثمانية منذ سبع سنوات، بعد أن وعدته الجهات المختصة بمنحه الجنسية البحرينية قريبا.
الإهمال ودمار النفس
وكأن رحى الزمن تدور بعائلة شكري إلى نقطة البداية دائما، فبعد أن لاحت ملامح انفراج الأزمة حدثت تطورات عكرت صفو فرحة العائلة... يقول شكري: «تقدم ولدي علي بجواز سفره عن طريق سفارة دولة فلسطين لكونه يعمل لديها بطلب الإقامة وبعد عدة شهور بلغ بفقدان جواز سفره فاستخرج جوازا جديدا بدل فاقد، وتقدمت سفارة دولة فلسطين (عن طريق وزارة الخارجية) لعمل الإقامة فبلغ بوجوب سفره أولا علما أنه من مواليد البحرين، ولن نسرد قصة علي محمد شكري القابع في السجن بحكم 10 سنوات وغرامة 5000 دينار حيث دخل السجن لأول مرة باتهام باطل ولمدة أسبوعين كانت كافية لدماره حيث كان طفلا».
يعود شكري إلى موضوعه مجددا «تسلم الضابط في قسم المتابعة جواز سفري في أغسطس/ آب 2006 بقصد وضع تأشيرة عودة، فأين ذهب جواز السفر هذا؟ استخرجت جواز سفر جديدا بدل فاقد ووضعت عليه الإقامة 2007، ولا أدري أين كان ضابط المتابعة الأمنية الحالي منذ 3 سنوات ليدّعي أن الآخرين غير متعاونين وعليهم التعاون بتدمير خمسة عائلات يعتاشون من وراء عمل محمد شكري الجماصي، ولماذا هذا الضابط لا يجهر بالأسباب التي قادته لفعل ذلك؟».
ويضيف شكري» في 8 فبراير 2005 سلمت لمكتب وزير الداخلية قرص ليزر وكتابا ورسالة تبين أن مادة القرص ومادة الكتاب شيء شخصي لعلي أجد جواب على ذلك، وظننت أن الإقامة التي حصلنا عليها في مايو/ أيار 2005 كانت بأمر من وزير الداخلية، كما أرسلنا العديد من الرسائل لوزير الداخلية والملك وعدة برقيات لوزير الداخلية والنتيجة لا شيء كان أهمها المذيل بتوقيع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الوزير محمد زهدي النشاشيبي بتاريخ ابريل 2004 التي نشرت «الوسط» جزءا منها دون جدوى».
«الجوازات» والمحكمة
ينتقل شكري إلى تفاصيل أكثر في قضيته بقوله: «لم تتقدم إدارة الجنسية والجوازات
للمحكمة بطلب ترحيل محمد شكري وزوجته وثلاث بنات، بل قام ضابط في قسم المتابعة مباشرة بعرض محمد شكري للنيابة العامة التي رفضت الترحيل في أبريل 2005، ولكن إدارة الجوازات في ردها لقضية رُفعت ضدها من قبل شكري ذكرت سبب الترحيل في خمس نقاط، والنقاط 1 و2 و3 جاءت بعد تاريخ الفصل من العمل والترحيل (23 مارس/ أيار 1999) فتواريخ النقاط الثلاث هي ابريل ومايو ونوفمبر 2001 وأما النقطة الرابعة فلم تكن حسمت القضية فتاريخ رفض استئنافها مايو 1999 (وأين مكان المدعي الآن وهو ضابط في الداخلية) أما النقطة الخامسة فجاء الحكم بالبراءة بالقضية رقم 2209 فنحن بصدد سبب الترحيل الذي يجب أن يكون قبل 23 مارس 1999م وهو ما تصر وزارة الداخلية على عدم ذكره. وأنا من جهتي أؤكد عدم صحة فصلي من وزارة التربية، أو أن هناك سوء فهم. والغريب في الأمر أنه لماذا تدّعي إدارة الجوازات أسبابا جاءت بعد فصلي من عملي وطلب ترحيلي، وهي أسباب إن وجدت فلا تقود بأية صورة من الصور للترحيل بعد 31 سنة»!
ويشير شكري إلى حدوث عدة مستجدات في قضية، لافتا إلى أن ضابط المتابعة الجديد في إدارة الجوازات «أعادنا من جديد بخصوص الإقامة بعد 3 سنوات وها هي جوازات سفرنا لديه منذ سبعة أشهر، وكانت نتائج هذا العمل السجن لذكور العائلة قرابة 400 يوم أو يزيد، خروج أولادي عصام وأحمد من الجامعة وعلي من المدرسة، إصابة الصغير علي بمرض نفسي أدخله مستشفى الأمراض النفسية بعد هيامه خارج البيت أكثر من سنتين على رغم مناشدة الملك لإنقاذه في 26 يونيو 2002 في يوم التعذيب العالمي، خسارة مالية تجاوزت 40 ألف دينار بحريني ضمنت ضمن رسالة لوزير الداخلية، ضياع الابن الأكبر لكثرة سجنه وضيق حالته، طلاق زوجة الابن الأكبر، قضايا عدة يراجع فيها الادعاء العام لكثرة عددها».
ديوان المظالم والشكوى
يقول شكري: «بعد نشر صحيفة «الوسط» خبر ترحيل العائلة ذهبت للسؤال في ديوان المظالم وكانت المفاجأة رفض التظلم بتهمة الفساد الإداري، نشتكي للإقامة فنجد الجواب فساد إداري؟! وهذا يمثل الحد الأدنى مما وقع منذ أبريل 1997 حتى تاريخ اليوم يوليو 2008، إذ لم تر فيها العائلة الابتسامة إلا يوم تسلم الجوازات الإقامة في مايو 2005، فالحمد لله الذي خلق الإنسان ليموت وما كان يريد منه من رزق، بل العبادة والعبادة فقط وهو ما نحن كعائلة فيه على رغم ما وقع علينا، فالله المستعان والحمد لله رب العالمين».
بعد هذه الأعوام الطويلة يظل محمد شكري ينتظر الجواب الشافي لفصله من وزارة التربية والتعليم الذي يظن أنه تم بشبهة، وبعد موافقة جلالة الملك في 2002 على منحه الجنسية تبقى المأساة معلقة لا إلى الأرض ولا إلى السماء، ينتظر محمد شكري وزوجته اللذان تجاوزا الستين من العمر إسدال الستار على قضية لم يكتب لها أن تنتهي.
العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ
الفضية طائفية
آلاف الفلسطنيون عانوا بعد سقوط بغداد من فرق الموت الطائفية التي قدمت من ايران حيث نكلت بالفلسطينيين اشد تنكي ونزح الكثير منهم إلى سوريا والاردن وحصل بعضهم على حق اللجوء في بعض الدول التي شاركت في احتلال العراق ... معاناة مدرس الرياضيات المتميز الذي استفاد من علمه الكثير في الوطن العربي هي طائفية بالدرجة الاولى وانتم تفهمون ما اعنيه .... حسبنا الله ونعم الوكيل