العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ

العراق... وعودة الغزاة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لا أعلم لو عاد نزار قباني اليوم فهل سيقول: «متى يعلنون وفاة العرب؟».

طبعا ليس كل العرب، فالذين ذهبوا متطوعين ليحاربوا عن هذه القلعة العربية وهذه النشامة العربية والإسلامية لا يمكن للانسان إلا ان ينحني اجلالا لهم... ذلك الصعيدي الشهم، وذلك اللبناني المقدام وكل هؤلاء الذين دفعتهم نخوتهم للذود عن أمةٍ مهانة، مقيدة اليدين والساقين معصوبة العينين... هذا العالم العربي الكئيب... كل شيء فيه تغير واصبحت البراغماتية تقودنا للانسلاخ من اسلامنا وعروبتنا وقيمنا حتى نقبل بان تغزى أرض عربية مسلمة، وان تهان كرامة نسائنا، بان تمتد يد الآثمين لتلامس أبدانهن بحجة البحث عن سلاح.

ونسي الجميع ما قالوه في العراق وتنكّر البعض لقصائده وأراد احراقها تنكرا لجريمة الخليج الأولى التي اوقعتنا في الثانية وهانحن نقاد الى الثالثة والبقية تأتي...

«لماذا جميع القصائد تذهب فدوى لوجه العراق؟

لأن الصباح هنا لا يشابه أي صباح

لأن الجراح هنا لا تشابه أي جراح

لأن عيون النساء تخبئ خلف السواد السلاح

لماذا العراق»

لقد تغيّر كل شيء، ولكن على رغم هذا اليأس فلن تهزم إرادة الشعوب ولن تقبل معارضة جاءت على دبابة أميركية ولو كانت هذه المعارضة مؤدلجة. المشكلة الكبرى هي تورط بعض من العرب في هذا الغزو، الكل ينظر والصمت أيضا جريمة بل الحياة جريمة في حق العراق، البعض تورط بالامداد المالي والبعض بالدعم اللوجستي والكثير من أولئك يبكي للعراق. ذكرت تقارير مؤكدة أن هناك دولا عربية تشي بسورية لمحاولتها إمداد العراق ببعض ما يعيد عافيته العسكرية وتوصل هذه الدول معلومات إلى الاستخبارات الأميركية.

النظام العربي الرسمي في ورطة حقيقية أمام هذا الغزو فبالأمس وزير خارجية قطر قال: «لا تستطيع أية دولة عربية إخراج هذه القوات من أراضيها» والحق ذلك تباعا الرئيس المصري بتصريح آخر «ان أحدا لن يستطيع منع أميركا من الحرب».

هذه الصراحة في البوح عن واقع مثل هذه الدول عكس مدى الضعف الذي لحق بنظامنا العربي،... طبعا أكثر الدول الأخرى هي واقعة في المأزق ذاته، ومازالت تحابي الولايات المتحدة وان أظهرت شيئا من مكياج التعاطف على مستوى الإعلام أو بعض العطف العلاجي بتقديم جزء من الصدقات العلاجية إلى الشعب العراقي بمساعدات. أحمد العربي أفصح في مقالٍ له في صحيفة «القبس» الكويتية بان مسئولا عربيا رفيع المستوى قال له: «اننا أخذنا إذنا من أميركا للسماح لصحافتنا المحلية بالهجوم العنيف عليها من أجل تفريغ الشحنات الانفعالية لدى الناس».

وهذا الخبر لم يأت به الربعي فهو يصور واقعا ذكره أحد الغربيين قديما قبل سنين عندما قال: «لقد سمحنا لبعضٍ من العرب ان يسبونا في الملأ ويباركوا أعمالنا في الخفاء».

طبعا الصدقية تكمن على الأرض، وليس عبر الإعلام تماما كما هو موقف سورية ولبنان عندما وضعتا ثقلهما في صالح الشعب العراقي. الغريب في الأمر أنه على رغم تعرض العراق لهذا الغزو لم نسمع عن مسئول عربي واحد قدم ولو احتجاجا عمليا واحدا... لقد شهدنا استقالة وزراء في لندن وغيرها، بل حتى في الولايات المتحدة الأميركية إذ قدّم جون برادي استقالته احتجاجا على سياسة الإدارة الأميركية، في حين لم نسمع عن استقالة عربي احتجاجا على سياسة بلاده بل نجد التصريحات حريرية تلامس العواطف الأميركية.

طبعا حكاية حليمة في حرب الخليج الثانية ستعود الى عادتها في دفع فاتورة الحرب، فكما قام حلفاء واشنطن بتمويل 90 في المئة من فاتورة الحرب الماضية سيقومون بذلك في هذه الحرب، بالأمس دفعت الفاتورة المملكة العربية السعودية والكويت واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، كذلك هو الحال هذه المرة وذلك سيكون له مردود سلبي على انخفاض مستوى دخل الفرد الخليجي وسيكون على حساب الموازنة...

الشيء المضحك في القضية هو طبيعة تلك الرموز المرشحة. فأحد المرشحين (أ. ج) لتقلد منصب رفيع المستوى في العراق مازال محل تساؤل واستفهام في الأردن لتورطه في فضيحة بنك البتراء، فهل أمثال هذه الرموز ستقيم ديمقراطية وتاريخها مليء بالفضائح المالية والمخابراتية أيضا؟

انها مفارقات مبكية لواقع عربي هزيل... فالعراق يحاصر في سابقة تاريخية خطيرة جوا وأرضا من دون ان يتحرك معه أحد تحت حجة عدم وجود برلمان حقيقي في العراق وعدم وجود ديمقراطية حقيقية في العراق... إنها مفارقة كبرى لدول تطالب العراق بالديمقراطية ومن يسمع كلامها يعتقد ان بقية الدول العربية أتخمت شعوبها حرية وبرلمانات حقيقية في حين اننا كلنا في الظلم شرق.

نحن لا ننتظر - بصفتنا عربا - ديمقراطية من الولايات المتحدة، فهؤلاء يفتقدون أدنى حدٍ للانصاف وتاريخهم قائم على الفتك والذبح، فالولايات المتحدة قامت على ذبح السكان الأصليين الهنود الحمر وذبحت شعبا قوامه 10 ملايين حتى قلصته الى 250 ألفا... فهل هؤلاء يمكن التعويل عليهم؟ ومن أراد التفصيل فليقرأ كتاب «أميركا والإبادات الجماعية» لمنير العكش فالكتاب يكشف عن خلفية الإرهاب الأميركي، فليس غريبا عليهم ذلك، ألم يقل المفكر الأميركي نعوم تشومسكي عن أميركا «انها أكثر دولة إرهابية في العالم»؟

ان الولايات المتحدة لن تترك شيئا غدا إلا وستدخل رأسها فيه، حتى على مستوى القرآن والمناهج الدراسية وغيرهما. وإليك بعض المعلومات:

خصصت الولايات المتحدة مبالغ مالية لباكستان (100 مليون دولار) لكي تراجع كتب الثقافة الإسلامية، ولكي تحكم سيطرتها على المدارس الدينية.

بعض السفارات الأميركية تحاول أن تزج بنفسها وتفرض إجراءات خاصة على بعض الدول العربية لتقليص جرعة التعليم الديني.

بعض الدول العربية عمدت الى إلغاء تاريخ غزوات الرسول من الكتب الدينية استجابة للرغبة الأميركية.

إلغاء مفهوم «الجهاد» من المناهج الدراسية .

تقليل الحصص الدينية وإزالة الآيات التي تتكلم عن اليهود، والبقية تأتي.

إن للغزو الأميركي على العراق تداعيات وآثارا كبيرة لن نعرفها إلا بعد نهاية الحرب، وسنرى بأم العين تداعيات خطيئتنا التاريخية عندما نرى أنفسنا ضحايا لكل ما هو أميركي وصهيوني والتاريخ لن يرحم أحدا.

لست مع النظام العراقي في انتهاكه لحقوق الانسان ونعيب عليه كل الأخطاء التاريخية، ولكن الشارع العربي مؤمن جيد بأن ضرب النظام والاحتجاج بأسلحة الدمار الشامل كلمة باطل براد بها باطلا، لهذا فكل المسلمين والعرب يعتزون بكل الفتاوى التي انطلقت من علماء الدين السنة والشيعة التي تدعو الى الدفاع عن الشعب العراقي وترفض هذا الاحتلال الأميركي البريطاني الصهيوني، والناس على استعداد لنسيان جروحها في سبيل ان يبقى العراق إسلاميا عربيا لا تدنسه أقدام الغزاة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً