يبدو أن التضخم قد بدأ يكشر عن أنيابه في منطقة الخليج، وعلى وجه الخصوص في الدول التي شهدت شيئا من الانتعاش الاقتصادي، الذي لم يفرزه النفط لوحده، مثل الحالة الدبوية. لقد نشر موقع الـ سي إن إن، (http://arabic.cnn.com/2008/business/8/21/price.dubaifood/index.html ) نقلا عن مصادر إعلامية خليجية ملخص دراسة تقول ان «كلفة تناول الطعام في مطاعم إمارة دبي تشهد ارتفاعا كبيرا بسبب التضخم العام في البلاد، الأمر الذي يرتب ضغوطا على المستهلكين، الذين يشكل العمال والموظفون الوافدون النسبة الأكبر منهم».
وأضاف الموقع مشيرا إلى الارتفاع الفلكي في معدلات التضخم في أسعار المواد الأساسية مثل الغذاء، عند تناول الطعام خارج المنزل، اذ جاء في المسح الذي ورد في تلك الدراسة أن «إنفاق الأسر المعيشية بدبي لعامي 1997 و1998 قدّر أن نحو 20 في المئة من إجمالي إنفاق هذه المجموعة السكانية يذهب إلى تناول الطعام خارج المسكن».
المحزن في تلك الدراسة، هو أحد الاستنتاجات التي استخلصتها والتي تنذر بأنه على رغم ذلك «فلا يتوقع انخفاض المبيعات، مشيرا إلى أنه في الكثير من الحالات، يقوم العمال بعمل ترتيبات لطعامهم ولا يزالون يجدون تناول المأكولات خارج مساكنهم أرخص وأكثر راحة».
تأتي هذه الدراسة والتحذيرات بعد أيام قليلة من نشر دراسة قام بها خبير في التكنولوجيا الزراعية الحديثة البروفسور محمد الغندور بشأن الأوضاع المعيشية في دبي ونشرها أيضا موقع سي إن إن (http://arabic.cnn.com/2008/business/8/18/food.gcc/index.html ) أشار فيها الى أن «الظروف الإقليمية والعالمية تحتم على دول مجلس التعاون الخليجي- التي تشهد العديد منها طفرة عمرانية - التوجه نحو الاستثمار الزراعي في القارة السمراء لتلبية حاجاتهم من المواد الغذائية الأساسية، لافتا إلى أن «قيمة المواد الغذائية المستوردة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي تصل إلى أكثر من 12 مليار دولار سنويا».
الجديد في دعوة الغندور هو أنه دعا الدول الخليجية إلى تنويع استثماراتها، وبدلا من حصرها في قطاع العقار والإنشاءات حتى في بلدان أخرى غير الخليج، أن يقوموا بتوجيهها نحو قطاعات مجزية أخرى، وتسد حاجة خليجية داخلية أيضا.
وأشار الغندور هنا إلى دول عربية مهيأة لاستقبال مثل تلك الاستثمارات الزراعية مثل بعض «الدول الإفريقية وخصوصا في السودان في مقدمتها زراعة المحاصيل الإستراتيجية لسد الفجوة الغذائية وتصدير جزء من الإنتاج للسوق العالمي».
على أن ارتفاع معدلات التضخم، أو بتعبير المواطن البسيط «غول الغلاء» لا ينهش المواطن في دبي فحسب، كما لا ينحصر ذلك الارتفاع في الأغذية فحسب، إذ تمتد ذيوله إلى مطعم دول مجلس التعاون الخليجي، وتنشر سلبياته في أكثر من سلعة على حد سواء، بما فيها سلع خدماتية ضرورية أخرى مثل الخدمات الصحية الأساسية.
ففي تقرير خاص أورده أحد مراسلي موقع الفضائية «العربية» مصطفى العرب بشأن استشراء ظاهرة التضخم في دول المجلس التعاون خلال الفترة الأخيرة ( http://arabic.cnn.com/2008/business/6/25/inflation.khanuae/index.html )، نقلا عن حديث خاص أدلى به مدير الأبحاث الشرق الأوسط لدى ستاندرد تشارترد ماريوس ماراثيفتيس، لمحطة «سي إن إن»، قال فيه انه بشأن ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة قائلا انه «مع ازدياد مؤشرات ضعف الاقتصاد الأمريكي وتزايد الضغوط على الدولار يظهر تأثير ذلك على المنطقة (الخليج) مع انخفاض قيمة العملات المحلية وهذا متصل مباشرة بمشكلة ارتفاع التضخم.»
ويورد مصطفى العرب نصا يقتطعه من مداخلة قدمها المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي في مايو/ أيار 2008 بشأن ارتفاع أسعار الغذاء في المنطقة قائلا ان «هناك تأثيرا لأسعار الغذاء، فوفق سلة المؤشر التي أعددناها، رأينا أن الأسعار كانت ترتفع بشكل عادي، لكن اعتبارا من عام 2007، كان هناك قفزة سعرية بسبب ارتفاع الطلب وثبات العرض»، ملمحا إلى دور ارتفاع السيولة بسبب عوائد النفط في ارتفاع التضخم قائلا: «إذا بلغت أسعار النفط 200 دولارا للبرميل أو حتى 150 دولارا خلال هذا العام، فهذا سيدفع بالكثير من الأموال إلى الخليج والدول المنتجة، وإذا حصل هذا فسوف تتوقون لرؤية مستويات التضخم التي تشتكون منها حالياَ.»
بإمكاننا هنا استعراض قائمة بالدول الخليجية التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وبوسعنا لتأكيد ما ذهبنا إليه أن نورد دولة أخرى مثل المملكة العربية السعودية التي تشير الإحصاءات الحديثة بلوغ معدلات التضخم في السعودية إلى أعلى مستويات لها خلال الثلاثين عاما المنصرمة إذ وصلت تلك المعدلات في يونيو/حزيران الماضي إلى 10.5 في المئة وفقا لبيانات حكومية نشرت الأحد.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن تقرير لدائرة الإحصاءات العامة والمعلومات في وزارة الاقتصاد والتخطيط، أن الرقم القياسي العام لكلفة المعيشة (مؤشر التضخم) ارتفع بنحو 0.4 إلى 115.5 نقطة في يونيو/ حزيران من 115 نقطة في مايو/آيار. وأرجعت وزارة الاقتصاد والتخطيط ارتفاع مؤشر التضخم في يونيو الماضي إلى الارتفاع الذي شهدته خمس مجموعات رئيسة من المجموعات المكونة للرقم القياسي لتكاليف المعيشة، والتي هي مجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه، ومجموعة الأطعمة والمشروبات، ومجموعة سلع وخدمات، ومجموعة الأقمشة والملابس والأحذية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2178 - الجمعة 22 أغسطس 2008م الموافق 19 شعبان 1429هـ