العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ

حصار بغطاء عربيّ

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

يحظى الحصار الإسرائيلي للفلسطينيين - وخصوصا في قطاع غزة - بتغطية وتأييد عربيين، حيث تقفل المعابر التي تتيح لهم الحصول على حاجياتهم الغذائية والدوائية الأساسية. ولا يشفع للفلسطينيين في غزة أنهم يتواصلون مع أشقائهم في مصر عبر رفح؛ لأنّ هذا المعبر يخضع بدوره لإجراءات الحصار. أمَّا الذين حاولوا اختراق هذا الحصار عبر الأنفاق، فكان مصيرهم الموت خنقا من خلال تدمير الأنفاق عليهم، في إخبار عربي جديد للإسرائيليين بأنكم لستم وحدكم الذين تمارسون الحصار والضغط على الشعب الفلسطيني، في سياق خطة أميركية إسرائيلية يشترك فيها بعض العرب، ولا يمكن تبرئة السلطة الفلسطينية نفسها من مفاعيلها.

ويتم ذلك كلّه في الوقت الذي يستعدُّ العدو لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، أو توسيع المستوطنات القائمة لنقل المزيد من الأسر اليهودية إليها، فيما العمل جارٍ لتهجير المزيد من الفلسطينيين وتشريدهم في العالم.

ومن اللافت للمراقبين للواقع الفلسطيني قيام بعض أركان السلطة باقتراح استبدال الدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران التي تجهضها «إسرائيل» بدولة مشتركة واحدة ثنائية القومية اليهودية والعربية، ما يدل على حال الانهيار التي يعانيها فريق السلطة في قيادته الحالية، وقبوله بالتعايش مع الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية الثابتة، الأمر الذي يمثِّل تنازلا فلسطينيا جديدا للعدو الذي يرفض فكرة الدولة المشتركة، فهو يفكر ويعمل لدولة يهودية صافية ليس للعرب أيّ موقع فيها. والجميع يعرف أن اليهود بتحالفهم مع أميركا وبعض دول أوروبا يتابعون الضغط على الواقع العربي لتقديم التنازلات للدولة العبرية، حتى لا تبقى هناك أية فرصة للدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة؛ لأن الغرب ليس على استعداد للضغط على اليهود الذين يسيطرون على سياسته وأوضاعه الاقتصادية، مستغلّين هذا الموت في الواقع العربي إزاء حقوقه الحيوية وقضاياه المصيرية الذي يفرضه القائمون على البلاد العربية وعلى شعوبهم.

إنّنا نقول للعالم العربي والفلسطيني: إذا كان الشعب غير قادر على تحرير أرضه في المرحلة الحالية، فإنَّ الأجيال القادمة ستعمل على إحداث تغييرات مهمة لمصلحة العدالة للشعوب، ذلك أنّ استمرار الانتفاضة من جيل إلى جيل سيحقق في النهاية للشعب الفلسطيني أهدافه الكبرى، لأنه «ما ضاع حق وراءه مطالِب».

الإدارة الأميركية: انتهاكاتٌ لسيادة الدول

ودعمٌ للإرهاب

وفي المشهد الأميركي، كان لافتا حديث الرئيس الأميركي عن أن روسيا اجتاحت بلدا مستقلا مجاورا، وهددت حكومة منتخبة ديمقراطيا، وأن هذا العمل وما يماثله غير مقبول في القرن الحادي والعشرين، وهو الأمر الذي يبعث على الغثيان؛ لأن الرئيس الأميركي هو أول من سنّ هذه السنّة في هذا القرن باجتياحه أفغانستان والعراق، وبتأييده الحرب الإسرائيلية على حكومة منتخبة ديمقراطيا، كما في حرب العدو على الحكومة الفلسطينية التي شكلتها «حماس» التي اعترف العالم كلّه بأنها جاءت بعد انتخابات نزيهة وشريفة، كما أن بوش نفسه هو الذي بارك الحرب الإسرائيلية على لبنان، وأراد لها أن تمتد وتتوسّع ليسقط لبنان وشعبه وبنيته التحتية في قبضة الكيان الصهيوني، وإن لم يستطع أن يحقق ما كان يصبو إليه.

إننا في الوقت الذي نرفض كلَّ أشكال الظلم والعدوان، نجد في الإدارة الأميركية الحالية الصورة الأكثر بشاعة في الانتهاكات الفاضحة لسيادات الدول وحقوق الشعوب وقضايا حقوق الإنسان، وفي دعم الإرهاب والأنظمة المستبدة، ولذلك، فإنّ آخر من يمكنه أن يتحدث عن قضايا مماثلة هو الرئيس الأميركي ونائبه اللّذان أشعلا العالم بالحروب، ودمّرا مواقع حيوية ومهمة في الاقتصاد العالمي.

وفي جانب آخر، نرى أنَّ عقلية الحصار بدأت تفرض نفسها في العلاقات الدولية، بحيث تسعى دول الاستكبار لفرض حصارٍ على دول الممانعة التي ترفض شروطها المذلة. وقد لاحظنا في هذه الأيام أنَّ ثمة أساطيل بحرية فرنسية وبريطانية وأميركية توجهت إلى الخليج بعد قيامها بمناورات مشتركة تحدث الإعلام عن أنها تحاكي القيام بإجراء محتمل ضد إيران، وذلك بعدما أصدر الاتحاد الأوروبي قرارا جديدا أجاز فيه فرض عقوبات قوية ضد إيران.

«إسرائيل»: تهديدات واستعداد لحروب جديدة

إنّنا نرى في هذه التحركات الجديدة تمهيدا لعدوانٍ اقتصادي وسياسي، وربما عسكري، ضدّ إيران، لإجبارها على الرضوخ للشروط الأميركية الإسرائيلية، والتخلّي عن حقوقها المشروعة في البرنامج النووي السلمي، الأمر الذي يستدعي استعدادا على مختلف المستويات لمواجهة المرحلة المقبلة التي تشتدُّ فيها الضغوط من كلِّ حدب وصوب على مواقع الممانعة، لشعور المستكبرين بأن الوقت لا يعمل لمصلحتهم، ولاستعجالهم القيام بإجراءات عدوانية تصعيدية، وهو ما يفترض مواجهته بالوحدة في الواقع العربي والإسلامي، والاستعداد لمواجهة أي طارئ.

وليس بعيدا من ذلك، نشهد تهديدات إسرائيلية جديدة بعد مناورات عدوانية في الجولان تحاكي المناورات البحرية الغربية الأخيرة، وبعد حديث لوزير حرب العدو عن أنَّ هذه التدريبات ليست عبثا، وعن أن العدو لن يسمح بأن تخلَّ المقاومة بالتوازن القائم.

ونحن في الوقت الذي نشعر بخطورة التحركات الصهيونية، وباستعداد العدو على جميع المستويات بما قد يمهِّد لعدوان إسرائيلي جديد ضد لبنان، نستغرب صمت الكثيرين في لبنان حيال هذه التهديدات، وعدم أخذها على محمل الجد، كما نستغرب تصاعد الجدل حول سلاح المقاومة بالطريقة التي يريدها العدو في عملية تسجيل نقاط سياسية، بدلا من أن ينفتح الجميع على آلية عملية تقود إلى إعداد خطة ميدانية لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل.

لبنان: الطبقة السياسية لا تؤمن بشيء اسمه وطن

وفي لبنان أيضا، شهدنا في الأيام الفائتة فصلا جديدا من فصول العبث السياسي تحت قبة البرلمان، في استعراض للعضلات الكلامية الخطابية التي يُحسن البعض كتابتها، ويخفق نوّاب الأمة حتى في قراءتها، ولكنّهم ينجحون في استثارة الغرائز وتهييج الشارع من أجل الوصول إلى أصوات الناخبين من نافذة الحساسيات الحزبية والمذهبية، ولتغدو المؤسسة التشريعية شارعا متخلفا في لغته وأسلوبه ومفرداته، وليأخذ الناس من هذه النخبة السياسية منسوبا كبيرا من الحقد بدلا من المحبة والرحمة والصداقة التي يمكن لها أن تبني بلدا على أسس متينة راسخة، وليساهم ذلك كله في توفير المناخات الملائمة للمجرمين الذين يتسللون من خلالها لارتكاب جرائمهم، كما جرى في طرابلس قبل يومين.

إننا نقول للبنانيين: هذه هي الطبقة التي أنتجتموها وجعلتموها مسئولة عنكم وعن قضاياكم في المؤسسة التشريعية، وهذه هي الأسماء التي أدمنتموها في انتخاباتكم التي تتحرَّك غريزيا، بحيث يشعر هؤلاء أنَّ أفضل وسيلة أمامهم للعودة إلى الندوة النيابية تتمثل بتحريك الخلافات السياسية، وإيقاظ الحساسيات المذهبية، ولو أدى ذلك إلى إحراق البلد وإجهاض مسيرة إنقاذه.

إن هذه الطبقة لا ترقى إلى مستوى لبنان، ولا إلى مستوى قضايا الأمة في هذا الواقع العالمي المضطرب، ولذلك ندعو اللبنانيين إلى ممارسة حقهم الطبيعي في إبعاد هؤلاء عن العبث بمصيرهم، والقيام بما تفرضه عليهم المسئولية الوطنية العليا بمنع هذه النماذج من العودة إلى البرلمان، إذا كان هناك من يملك أن يتحرك بإحساس وطني وبمنسوب نقدي رفيع.

إننا في حاجة إلى جيلٍ جديد من السياسيين يؤمن بربّه من خلال أنَّ الله محبة وأنه الرحمن الرحيم، ويتحمل مسئولية وطنه بإخلاص وعقلانية، ويتحرك في عملية الحساب للذين كانوا ولايزالون مشكلة لبنان ولم يستطيعوا أن يكونوا الحلّ، لأنَّ التاريخ الدامي لايزال يفرض نفسه على حركتهم في الحاضر من أجل دماء جديدة وعصبيات وأحقاد متحركة... ويبقى للمحاور الإقليمية والدولية حركيتها في لبنان الساحة، لأنّه لم يبق في النظام الطائفي الذي يزرع الطائفية في العقول والمشاعر والواقع من يؤمن أنَّ هناك شيئا اسمه لبنان أو الوطن.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً