تخرجَت في الثانوية - أدبي العام 1993م، بتقدير جيدجدا، محملة برغبة في دراسة علم النفس بجامعة البحرين. فوجئت فور مباشرتها بعملية التسجيل في الجامعة بتخصصات محددة (اللغة العربية أو الإنجليزية - نظام الفصل - إدارة الأعمال)، فرتبت التخصصات على مضض وكان آخرها طبعا إدارة الأعمال لأنها وجدته بعيدا كل البعد عن دراستها الثانوية ولم تتوقع أبدا أن تقبل فيه... لكن المفارقة أنها لم تقبل إلا في رغبتها الأخيرة، لتلتحق بالتخصص وسط خريجي الفرع التجاري فتجد البون الشاسع بين مستوى فهمهم للمواد وفهمها، فتعثرت ولم تتخرج إلا بطلعة الروح.
في الفصل الثاني من العام نفسه فتح المجال للطلبة الذين لم يقبلوا في الفصل الأول لدراسة «خدمة اجتماعية» وعلى رغم أن رسومه كانت مكلفة (نحو 600 دينار للفصل الواحد) فإن الطلبة انخرطوا فيه بأمل واسع في التوظيف (المضمون) بعد التخرج بحسب المسئولين في وزارة التربية والتعليم والجامعة نفسها... تخرجوا بعد سنوات فالتحقوا بطوابير العاطلين! وها نحن نقرأ عن توظيف 40 عاطلا من حملة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية في مطاعم الوجبات السريعة!
في مقابلة لهم مع «الوسط» نشرت (السبت) اتهم أولئك وزارة التربية باتباع «سياسة التطفيش»، «لافتين إلى أن أكثر من 80 في المئة من الخريجين لم يعودوا يعولون على توظيفهم في وزارة التربية»... هل يجانب هذا الكلام المنطق ويقنع العقل؟...
نعم، وما ذكرناه أعلاه ليسا سوى مثالين/ دليلين على «التطفيش» فعلا، وإلا ماذا نتوقع من طالب، وخصوصا إذا كان متفوقا رسم طريقا محددا لمستقبله، أرغم على دراسة تخصص غير راغب فيه بتاتا، وإن منح الوعود بالوظيفة في زمن شح الوظائف تفاجأ بعد تخرجه بأنه لن يوظف قبل أن يلتحق لسنوات بطوابير العاطلين الجامعيين، حتى إذا ما سئم الانتظار الطويل وقرصته أوضاعه المادية، قبل مجبرا بوظيفة لا تتناسب بتاتا مع مؤهله ومستواه الدراسي؟!
في حديث بات مكرورا في الآونة الأخيرة، صرحت جهات رسمية عدة (وليس التربية فقط) عن إصلاح التعليم وعن ضرورة تناسب مخرجاته مع متطلبات سوق العمل، في الوقت الذي نجدها تضرب برغبة وميول وقدرات والمؤهل الدراسي للطلبة عرض الحائط!
الطالب (الراغب في التدريس)، يتخرج في الثانوية «وكله طموح»، فيواجه بالإحباط من أول الطريق، باصطدام الرغبة بالتخصصات المتاحة في الجامعة، ومن بعد التخرج الانتظار لسنوات قد تأتي على كل ما ركز في الذهن فترة الدراسة، ليتوظف بعد ذلك إما مدرسا (خالي الذهن) يحتاج هو نفسه إلى إعادة تأهيل ودراسة من جديد (ليقابل مجموعة أخرى من المدرسين الذين سبقوه في الإحباط لأسباب مختلفة فيزيدونه إحباطا)، أو يلتحق بالقطاع الخاص في وظيفة بعيدة عن تخصصه وفي مستوى أدنى كليا من مستواه الدراسي!
يأتي ذلك في ضوء توارد الأخبار عن انتشار الشهادات الجامعية المزورة!... فأية مخرجات تعليم نرتجي، وأي تناسب مع متطلبات سوق العمل، وأي سلك تدريس هذا الذي سنرغب في الالتحاق به وكل هذه العقبات تقف في الطريق؟!
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 2172 - السبت 16 أغسطس 2008م الموافق 13 شعبان 1429هـ