عطفا على مقالي عن حق الإضراب الأسبوع الماضي، تأتي توصيات لجنة الحقوق النقابية بمنظمة العمل بضرورة تعويض العمال ببديل وآلية سريعة وفعالة للمفاوضات الجماعية والتحكيم في حال منع حق الإضراب في مواقع معينة، كما هو الحال في مهنة التمريض التي قد يكون لتوقيت وزمن امتداد فترة الإضراب فيها تأثير على سلامة وصحة الآخرين. وهو ما يضع أمامنا الكثير من الأسئلة عن المماطلات التي استغرقتها لجنة الكادر بوزارة الصحة المشكلة لمناقشة الكادر منذ 2005 حتى الآن, ومن دون أية فعالية تحفظ للممرضين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. بل يأتي قرار حرمان أعضاء الجمعية الذين علقوا الشارات من الالتحاق ببرنامج البكالوريوس ومضايقة الآخرين متعارضا جملة وتفصيلا مع المادة الأولى من الاتفاقية الدولية رقم 98 التي كان من المفروض الالتزام بها كأحد الاتفاقات الأساسية (مع الاتفاقية 87) التي يتلازم الالتزام بها وتطبيقها كأساس لقانون النقابات العمالية.
فمن غير المعقول أن يستمر التفاوض بشأن كادر التمريض كل تلك الفترة بشكل متعارض مع توصيات وقرارات منظمة العمل ولجانها، ليخرج علينا البعض رافضا حتى احتساب سنوات الخبرة التي اكتسبها العديد من الممرضات والممرضين، رغم أنها تحتسب في العديد من التخصصات في الدول المتقدمة كمعرفة تراكمية تعادل الكثير من الشهادات الأكاديمية.
ويأتي التحقيق مع الأخت رولا الصفار رئيسة جمعية التمريض كجزء من مسلسل المضايقات التي تتعارض مع الاتفاقات الدولية، وخصوصا أن الجمعية لم تدع يوما من الأيام لممارسة حق الإضراب، وهذا ما أوضحته رئيسة الجمعية في ندوتها التي عقدت في جمعية العمل.
بل وليعلم البعض ممن يحرضون على الجمعية وإداراتها أن حق الإضراب في قطاع التمريض مارسه قطاع التمريض منذ أكثر من أسبوعين في دولة متطورة ومتقدمة كالسويد، وبدعم واضح من قوى المجتمع المدني وعامة المواطنين الذين تفهموا وساندوا إضراب قطاع التمريض هناك. وهو حق لا يمكن تجاهله أو منعه، وخصوصا إن لم تخلق وتوفر الجهات المعنية آلية سريعة وفعالة لتعويض العاملين في هذا القطاع من خسارة أهم أسلحتهم للمطالبة والمحافظة على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
ونحن نتفق جملة وتفصيلا مع رئيسة جمعية التمريض بأن مهنة التمريض تخصصية بالأساس، ولا يمكن لأي كان أن يزاول مهنة التمريض كما هو الحال في مهنة المهندسين والأطباء دون تخصص وإلمام بتفاصيل ومهمات هذا التخصص. وبالتالي نتفق مع مطالب الجمعية وإداراتها بأن كادر التمريض يجب أن يكون ضمن الكادر التخصصي وليس الدرجات العمومية.
كما نتفق مع الجمعية ورئيستها من منطلق بحثنا خلال الفترة المنصرمة عن كادر التمريض المتوافر على الشبكة العنكبوتية في الدول المتقدمة بأنه يجب احتساب سنوات المعرفة المتراكمة والخبرة العملية، وإيجاد آليات تطوير وتنمية كادر التمريض من خلال تنظيم دورات وورش عمل تؤسس لتطوير الكادر وإعداده لتولي مهمات أكبر إلى جانب تحقيق التوازن في عدد الممرضين بالنسبة لعدد المرضى كما هو الحال في الدول المتطورة والمتقدمة في الخدمات الصحية. أما بالنسبة لممثلي الممرضين في لجنة الكادر، وعلى رغم كل الاعتراضات التي دفعت بها وزارة الشئون الاجتماعية فإن شرعيتهم استمدوها من مواقعهم حين شكلت اللجنة ووجودهم في إدارة الجمعية من عدمها موضوعا شكليا، فمن انتخبهم لتمثيل قطاع الممرضين في اللجنة للمباشرة بالمفاوضات الجماعية هو من له الحق وحده في إلغاء هذا التفويض. وبالتالي وجودهم وتمثيلهم لقطاع التمريض ضمن هذه اللجنة منذ العام 2005 أكسبهم شرعية هذا التمثيل وحق التفاوض.
كما يجب الإشارة إلى ضرورة معالجة قضية الممرضين العمليين وترتيب وضعهم المهني وحماية حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في أي كادر للتمريض تنوي الوزارة تطبيقه، بل والعمل على إعدادهم وتطوير إمكاناتهم وخبراتهم لدعم الخدمات الصحية بشكل عام في المملكة.
عموما ما لم نفهمه هو على أي أساس تقدمت قيادات التمريض ببلاغها للنائب العام ضد الأخت رولا الصفار، ومن الذي دفع تلك القيادات ليس لتقديم البلاغ فقط بل والعمل بجهد ومن خلال اجتماعات مشبوهة لتشطير وحدة الحركة العمالية في مجال التمريض، والتشكيك في شرعية المطالبين بحقوق شريحة كاملة في أهم المرافق الخدمية في مجتمعنا؟ ومن الذي خول لـ 20 إلى 30 ممرضا ورؤساء تمريض أن يمثلوا قطاع بحجم قطاع التمريض الذي يعمل به حوالي 3000 كادر دون شرعية واضحة وشفافة؟ وهنا أشير إلى مداخلة النقابي الأخ محمد عبدالرحمن في الندوة سالفة الذكر إلى أن الطرف الآخر سيسعى جاهدا لتشطير وتقسيم كادر الممرضين حتى يستفرد بهم، ويفرض شروطه عليهم. وان البعض سيستخدمون الترهيب والترغيب لتحقيق ذلك. والسؤال الأهم هو ما مصلحة السيد الذي يدّعي دفاعه عن حقوق الإنسان في ترهيب إدارة جمعية التمريض وتهديدهم بالسجن؟ فأي حقوق إنسان تلك التي يدافع عنها، عجبي.
وقبل أن نختم نود أن نحيّي الأخ مدير الصحة العامة وكل من وقف مع مطالب وحقوق هذا القطاع منطلقا من شرعية تلك المطالب والحقوق دون الالتفات للقضايا الشخصية والخلافات النقابية أو الحزبية أو المصالح والاستحقاقات الشخصية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2172 - السبت 16 أغسطس 2008م الموافق 13 شعبان 1429هـ