من يقرأ بعض نصوص ما سُمّي «اتفاقية الصداقة والتعاون طويلة الأمد» البائسة بين بغداد وواشنطن فسيتساءل حتما: لماذا يُصرّ الأميركيون على تضمينها بندين يتعلقان بعدم تقديم الولايات المتحدة أية ضمانات لحماية العراق من أي اعتداء خارجي، حتى حماية النظام الديمقراطي فيه (كما تُسمّيه) من أية مخاطر داخلية أو خارجية؟
الموضوع باعتقادي يحتاج إلى ربط فقط. هذا الربط قد يقود إلى الاعتقاد بالظن القوي لا اليقين بأن العراق قد يشهد تحولا سياسيا خطيرا. هذا التحوّل لا أظنّه خارجا عن حدوث انقلاب عسكري يُنهي النظام السياسي القائم الذي لا تريد واشنطن حمايته بحسب بنود الاتفاقية المذكورة.
سألتُ أحد المعنيين بالشأن العراقي نَسَبا ودراية عن ذلك فأكّد لي أن الأمر وارد وبقوة إذا ما تمّ استحضار أوضاع جيش العراق السابق وكيف يعمل منتسبوه منذ سقوط بغداد. وإذا ما تمّ تعريف العراق اليوم بأنه لايزال يُكابد من أجل كسب ودّ الدول العربية فإن الموضوع يبدو مكتملا. كيف؟
فعندما انهار نظام صدام حسين كمركز لم يكن أحد من دول الجوار كطرف بقادر على ملء الفراغ السياسي الموجود سوى إيران وفي درجة أقل الكويت؛ لسبب واحد وهو أن طهران تكاد تكون الوحيدة التي أبقت على علاقاتها العضوية مع من سيحكمون العراق بعد سقوط البعث، بالإضافة إلى ذلك هو تحريك جيرتها التاريخية والعقائدية وجيوبوليتيكها الذي أعملته ببطء منذ العام 1997 عندما بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ طابعا دينيا عبر السماح الإيرانيين بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف.
وبالتالي فقد كانت هي الأقدر على لعب دور محوري أصبح لاحقا ندا للوجود الأميركي هناك الذي لم يكن يُراد له سوى الفشل على مستوى المشروع. لذا فقد أصبح واضحا للولايات المتحدة الأميركية أن المستفيد الأول من عمليتها العسكرية في العراق كان طهران.
ما يزيد واشنطن اقتناعا بالموضوع أن الرّفض الشيعي لاتفاقية الصداقة جاء على خلفية إثارة الموضوع «إيرانيا» بعد تصريحات ولايتي ورفسنجاني وعلي لاريجاني، و «لبنانيا» بعد تصرحيات السيدحسن نصرالله خلال خطابه في الذكرى الثامنة للتحرير، الذي أعلن فيه جهارا رفضه هذه الاتفاقية وانحيازه التام لخيار توجيه البندقية للمحتل.
الأميركيون سيفهمون هذا التصرف على أنه تعاظم للنفوذ الإيراني داخل العراق، وهو نفوذ دفعت كلفته إدارة بوش بشكل خرافي. وبالتالي فإن واشنطن ترى أن تحالفها مع القيادات الدينية والسياسية (الشيعية) قد بدأ يدخل حيّز الاختبار الفعلي، مع ضرورة الاتجاه نحو العلاقة المقبوضة، وبات الخيار القريب هو استبدال هذا الحليف.
لم يعد الائتلاف في العراق يحظى بمكانة أكبر من تلك التي تنعم بها أطراف أخرى ساعدت على تخفيف الضغط على القوات الأميركية ضد تنظيم «القاعدة» وبالتحديد قوات الصحوة. فهذه القوات باتت محل إشادة من بوش نفسه حين يخص إحدى زعاماتها المغدور بها بزيارة رسمية في مقره بالأنبار.
وإذا ما استطاعت واشنطن أن تُرتّب أوضاعها مع مجالس الصحوات على مستوى المصالح والخيارات، وتُقلل من الهوة بينهم وبين الأكراد، وتُقنع باقي الدول العربية بتمثيل دبلوماسي في العراق على غرار ما فعلته الإمارات والبحرين والكويت والأردن فإن الأمور باعتقادي ستؤول حتما إلى حدوث انقلاب عسكري يقوده الجيش العراقي السابق الذي بدأ جزء كبير من أفراده في الاندماج في الجيش الجديد.
وإذا ما تمّ ذلك، وعُرِف أن السلاح قد أضحى بيد الجميع سُنّة وشيعة وأكرادا وتركمانا؛ فعلى العراقيين أن يتصبّروا على مستقبل مخيف أسوأ مما هم عليه الآن، حين يكون فيه سيل الدم أسهلَ من البصق على التراب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2162 - الأربعاء 06 أغسطس 2008م الموافق 03 شعبان 1429هـ