العدد 2161 - الثلثاء 05 أغسطس 2008م الموافق 02 شعبان 1429هـ

أبوزعبل... القنيطرة... المزة... صيدنايا... أبوغريب سجون بتتكلم عربي

معرفة الرأي العام العربي بالسجون الإسرائيلية أكثر مما هو عند العرب

الكلام عن السجون في العالم العربي يبعث على الغثيان ويزيد النفس إحباطا فأحداث العصيان الذي نفذته مجموعة من السجناء المحتجين على فقر حالة السجن في صيدنايا وراح ضحيته العشرات بالقتل بالرصاص الحي مازالت آثاره حية ومؤلمة...

النزول إلى القاع مثل حالة الطقس في الكويت كلما ارتفع منسوب الغبار والرمال إنعدمت الرؤية وتحول المشهد إلى لوحة قاتمة ليس فيها شعاع من الضوء أو الأمل.

ما نفع الحديث عن السجناء والسجون إذا لم تكن هناك شهادات حية تروي المأساة، فصف الكلام والبلاغة الإنشائية مثل الخطابات الجماهيرية الملتهبة يتبخر مفعولها في اليوم التالي بعد إلقائها.

صورة السجون من الداخل تقريبا لم تعد بعيدة عن الأعين فهناك العشرات من الروايات والتقارير والكتب التي تنقل تلك المشاهد الداخلية... وهي مشاهد تختلف من دولة إلى أخرى فالسجون الإسرائيلية بتنا نعرفها أكثر مما يجري في بعض السجون العربية وهذا واقع من العيب أن ننكره أو نتجاهله.

ربما كانت رواية السجون العراقية في عهد صدام حسين من الروايات الصادقة التي تصلح للقياس بها في سجون الأنظمة الحالية والتي تدّعي «الديمقراطية» و «الثورية»...

مرة بعثت منظمة «إمينستي» برسالة احتجاج للخارجية العراقية عندما كان طارق عزيز وزيرا لها تعترض فيها على تعذيب السجناء السياسيين استنادا إلى معلومات حصلت عليها من سجناء عراقيين التقت بهم في لندن خرجوا منه قبل مدة.

فماذا كان جواب الخارجية؟

ردت بالقول نشك بالرواية والمعلومات لأنه من الصعب أن يدخل أحد السجن خصوصا السياسيين منهم ويخرج منه حيا... وهؤلاء الذين اعتمدتم على رواياتهم كاذبة وغير صحيحة!

ليس من الصعوبة التعرف على مجاهل وكيفية تعذيب السجناء السياسيين بل وإساءة معاملتهم فهناك المئات الذين فتحت لهم أبواب السجن من قبل القوات الأميركية التي احتلت العراق ويمكن الإنصات لروايات يقصونها على مسامعك بأجواء من الدهشة والخوف يشيب لها شعر الرأس.

المأساة أن هذه الصورة لم تكن حكرا على نظام صدام بل استمرت بأبشع منها وأكثر دموية وامتهانا لكرامة الإنسان.

هناك حالات من مصادرة حق الإنسان بأبسط حقوقه وأكثرها بشاعة معسكر غوانتامو الذي حرم السجناء السياسيين من محاكمتهم بدعوى الإرهاب ونشر فكر «القاعدة» وهذا من أسوأ النماذح التي يمكن الاستدلال بها فالمعسكر أصبح مدعاة لانحطاط الفكر الإنساني والديمقراطي ولذلك عندما تسمع ما جرى في صيدنايا تستدعي حالة سجناء غوانتامو!

السجناء السياسيون وإساءة المعاملة داخل السجن وزجر المعارضين من دون محاكمات هي ما يعنينا في هذه العجالة... والمقارنة ليست بين «إسرائيل» والعرب ولا بين غوانتامو والعرب ولا بين دول إسلامية وآخرين والتسميات هنا قد توقعنا في مطبات لا ترحم ولا تغتفر!

المقارنة بين حالة السجناء السياسيين في دول الخليج العربي ودول المشرق والغرب على حد سواء وهي سجون تعج بالمعارضين السياسيين.

بإستبعاد السعودية من الحسبة يمكن القول أن سجون بعض دول الخليج العربي تكاد أن تكون خالية من السجناء السياسيين والمعارضين وأصحاب الرأي الآخر وهذه مفارقة تستدعي التوقف عندها، أن تجد في سورية أو الأردن أو مصر أو المغرب وتونس حالات بالعشرات من السجناء السياسيين لمجرد معارضتهم للحكم والنظام ومنهم من أمضى ربع قرن دون مشكلة فهذا رياض الترك المعارض السوري المشهور بات علما من أعلام سجناء الرأي وهذه مليكة أوفقير صاحبة كتاب «السجينة» التي تروي فيها حكايات القهر والموت البطيء وتنقل صورة أخرى عن حياة القصور الملكية.

تقارير منظمة العفو الدولية رصدت 92 حالة تعذيب بينها عشر حالات وفاة العام الماضي في السجون المصرية وهي على سبيل المثال وليس الحصر ما يعني أننا نفتقر لجهات رقابية يمكن أن تمارس دورها ويسمح لها بالوجود وزيارة السجون على الأقل من زاوية معرفة ما يجري.

في سجون باتت أسماؤها مخيفة ومرعبة مثل، أبوغريب أيام صدام وفي العصر الأميركي وأبوزعبل والقنيطرة وطرة والمزة وغيره من السجون ذات الشهرة وسمعتها كأنها نوع من الأساطير لعزلتها عن العالم وغيابها عن سلطات رقابية.

المغرب نموذجا

دراسة «واقع السجون في الوطن العربي» والتي أعدها شريف هلالي ونشرتها المنظمة العربية للإصلاح الجنائي تخلص للقول إن معظم الدول العربية الموقعة على مواثيق حقوق الإنسان لا تلتزم بها ولا تحترمها وأن العلاقة بين الأنظمة السياسية ومنظمات حقوق الإنسان تتسم بالشد والجذب والقطيعة أحيانا بسبب حساسية الأنظمة لصورتها بالخارج وعلى الخط نفسه كانت دراسة جديدة خرجت إلى النور العام 2008 عن واقع السجون في المغرب تظهر غياب شروط الإيواء والأمن دخل السجون، فالدراسة قدمت مشهدا صادما لواقع السجون المغربية، وبلغة الأرقام خلصت إلى أن ستين ألف سجين يقضون عقوبتهم داخل ستين سجنا وهو ما يعني أن كل سجين يحصل على مساحة داخل السجن لا تتجاوز المتر ونصف المتر، علما أن المعايير الدولية تحدد الساحة في تسعة أمتار لكل سجين وأشارت إلى أن شخصا واحدا من بين ستمئة نسمة يوجد في سجن، وأن نصف عد السجناء معتقلون احتياطيون في انتظار محاكمتهم وأن كل سجين تنفق عليه الدولة سنويا مئتين وثمنين دولارا.

الدارسون لحالة السجون في العالم العربي يقدمون «المغرب نموذجا» من حيث الجرأة والصراحة التي يتم التعامل بها مع واقع السجون فالنظام أنشأ «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» والذي يقدم تقارير دورية ترتقي في عالم الكتابات السجينة إلى أهم المصادر المتاحة والتي أفضت إلى القول بأن الإنكار أو النفي لملف السجون المزري ووضعه ضمن المحظورات والممنوعات وإقفال أبوابه أمام المنظمات الحقوقية والإنشائية أمر لم يعد مقبولا بل وتعداه إلى أن يكون قضية يشترك فيها الرأي العام والمجتمع المدني إلى جانب السلطات.

تجربة المغرب تستحق أن يستفاد منها لجهة العلانية والشفافية بالتعامل ونوعية المؤسسات الإشرافية والرقابية التي دخلت على الخط، فمديرية «إدارة السجون وإعادة الإدماج» سعت إلى «إصلاح وتهذيب المعتقلين» وعملت على إشراك مختلف فعاليات المجتمع المدني المهتمة والفاعلة بقطاع السجون من أجل تحسين ظروف الاعتقال من خلال الاطلاع على مختلف المعطيات والمستجدات وهذا هو المهم من الموضوع، الوصول إلى الداخل ونقل صورة صحيحة إلى حد كبير عبر مجموعة من المؤشرات الإحصائية المتعلقة بعدد السجون والمعتقلين الذين تمت محاكمتهم ومن لم يحاكم أي جرى حبسه احتياطيا ومدة الاعتقال والعاملين بالسجون ووضعها والخدمات التي يقدمها وحقوق المساجين.

هناك حاجة لإشاعة ثقافة عامة تجاه الرأي العام بضرورة العمل وفق قواعد إنسانية وقانونية بفتح أبواب السجون العربية خصوصا للسجناء السياسيين ومعرفة ما يدور بدواخلها ليتسنى الوقوف على حقيقة ما يحدث ومدى الالتزام بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان والحد الأدنى من حقوق السجناء حتى تتبدل الصورة السيئة قليلا ولا يترك حال السجون للأنظمة الحاكمة من دون حسيب أو رقيب!

العدد 2161 - الثلثاء 05 أغسطس 2008م الموافق 02 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً