العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ

إشكاليّة الولاء الوطني

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في منصة العرض العسكري كان يجلس رئيس وزراء تركيا وقرينته السيدة أمينة، وإلى جانبه رئيس جمهورية شمال قبرص (التركية) محمد علي طلعت وقرينته، مع الوزراء وكبار المسئولين ومبعوثي دول أخرى.

الاحتفال بالذكرى السنوية للتدخل العسكري التركي في الجزيرة العام 1974 بدأ بخطابين لأردوغان (الإسلامي) وطلعت (المدعوم من أنقرة). الجمهور المحتشد في الجهة المقابلة من الشارع رفع شعارات سياسية معارضة للرجلين، وقاطعهما عدّة مرات. استمر الرجلان في خطابهما، ولم يتفوّه أيّ منهما بردٍ يخوّنان فيه المعارضة أو يتهمانها بالعمالة للخارج.

بعد الخطابين بدأت تتدفق مختلف تشكيلات الجيش التركي، فأخذت الحماسة تنداح بين الجمهور فتلتهب الأيدي بالتصفيق. طبيعيٌ جدا أن تغلب الحماسة الجمهور وهو يرى جيشه الوطني بمعداته وآلياته ودباباته تتدفق أمامه تحت إيقاع السلام الوطني. ترى كم جيشا عربيا يمكن أن يستعرض قوّاته في الشارع فلا يشعر الناس بالخوف ويقابلونه بالتصفيق؟

المنظر كان طبيعيا جدا... إلاّ ما كان من زميلةٍ عراقيةٍ نسيت نفسها وأخذت تصفّق بحرارةٍ مع الجمهور، فأسررتها في نفسي. سألتها لاحقا: «عراقيةٌ وتصفّقين للجيش التركي»؟ فتنهّدت وبدأت تفضفض: «لقد أعجبني تمسّكهم واعتزازهم بالروح القومية، أين نحن منهم؟ ثم إنّي من تركمان العراق الذين لم يرحمنا النظام السابق، ولم يرحمنا بعده الأكراد. منذ الخمسينيات ونحن نتعرّض للإقصاء والإبادة، وقبل 14 عاما اضطرنا النظام إلى الهجرة فنزحنا إلى تركيا. وبدأنا حياتنا من الصفر مع أن أسرتي كانت غنيّة. في تركيا عاملونا بإنسانية واحترام. يمكنك أن تقارن ما يلقاه العراقيون اليوم في بعض الدول العربية»!

سألتها: ألاّ تشعرين بأنك عراقية؟ ردّت: «شعرت باعتزازهم بقوميتهم، إذ تدخّلوا عسكريا لإنقاذ بني جنسهم ووقفوا يتحدّون العالم كله، ولم يطلبوا إذنا من أحد». تذكّرتُ ما فعله قومنا العرب مع الفلسطينيين خلال ستين عاما فشعرت بالخجل والتزمت الصمت.

أضافت: «شعرت لو أننا تعرّضنا كأقليةٍ عراقيةٍ لإبادةٍ في العراق، فلن ينتصر لنا العرب أو ينصفونا أصلا، كما فعلوا في السابق، بينما سيهب لإنقاذنا هذا الجيش».

هنا أنقل الكلام... ولا أتبنّاه بالضرورة، وإنّما أشير إلى إحدى الإشكالات الكبرى التي ما تزال تتعثر فيها الأقطار العربية الصغيرة والكبيرة. إشكالية الأقليات، وأحيانا الأكثريات، التي لم تفلح مختلف النظم العربية في احتوائها ضمن الدولة، ومعالجتها بحكمةٍ، فتلجأ لمداراة فشلها باتهامها بالعمالة للخارج.

هذه الإشكالية مازالت تلازم الدولة العربية الحديثة، في مصر عقدة الأقباط، وفي المغرب العربي هناك المشكلة الأمازيغية، وفي السودان عدة قضايا متفجّرة، وغيرها وغيرها... لم تفلح الأنظمة العربية في حلها، ولم يزدها مرور الأعوام إلاّ تعقيدا، مع دخول الخيوط الطائفية والقبلية والمناطقية والفئوية، حتى أصبحت أوطاننا مثل بيوت العنكبوت.

في برنامج حواري أمس، طرح مذيع الـ «بي بي سي» سؤالا على المستمعين عن آرائهم بشأن ما يُقال عن ممارسات عنصرية في الغرب، فردّت سيدةٌ أرمنيةٌ بأن أرمنيا من قومها تسنّم منصب وزير في بريطانيا، بينما كان في العراق يُشطب اسم الأول على المدرسة لأنه أرمني، وجيء باسم طالب «عربي» قحّ ليحلّ مكانه... فهكذا يتم تكريس الولاء!

عندما سألت الزميلة العراقية: ألن تعودي يوما للعراق؟ قالت: «إننا نشعر بالخطر على حياتنا»... تُرى متى يزول الخطر؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً