تناقلت وكالات الأنباء التوقعات المتفائلة بشأن الاقتصاد الخليجي الواردة في التقرير الاقتصادي الصادر عن بيت التمويل الخليجي، والتي تنبأت بتجاوز «إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون مبلغ تريليون دولار هذا العام، ليصل إلى 1,1 تريليون دولار، بزيادة قدرها 36 في المئة مقارنة بـ810 مليارات دولار خلال العام الماضي... وإن منحنى الازدهار الاقتصادي القوي والمشروعات الاستثمارية في منطقة دول مجلس التعاون في تصاعد مستمر على المدى المتوسط... وأنه أذا ظلت أسعار النفط فوق مستوى الـ100 دولار للبرميل إلى نهاية العام 2008، فإن دول مجلس التعاون ستبقى ثابتة في خطاها نحو نمو اقتصادي قوي علي المدى المتوسط.
وألمح التقرير إلى «بعض الصعوبات التي ستواجهها المصارف المركزية في كبح جماح التضخم في ظل الارتفاع في أسعار السلع وتراجع نسب الفائدة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تفرض فيه سياسة تثبيت سعر صرف الدولار وحرية انتقال رؤوس الأموال».
هذا تلخيص مكثف لما تناقلته وكالات الأنباء عن التقرير، الذي لم تسنح لي فرصة الاطلاع على النسخة الأصلية منه. لكن الصورة الوردية التي رسمتها وكالات الأنباء للوضع الاقتصادي الخليجي المبنية على تلك الأرقام «ترغمنا» على توجيه الأنظار إلى الأسئلة الآتية:
1- ما هي القيمة الحقيقية المطلقة لهذه الأموال الناجمة عن بيع النفط؟ فإيراد رقم مجرد بعيدا عن قيمته الفعلية في السوق العالمية فيه شيء من التضليل (لايقصده بالطبع تقرير بيت التمويل). إذ إن نسبة عالية من قيمة هذه المداخيل تبخرها معدلات التضخم العالية التي تسود الأسواق العالمية التي تستورد الدول النفطية الخليجية كميات كبيرة من منتجاتها. لذلك لابد لنا من معرفة القيمة الشرائية الحقيقية الفعلية، وبأسعار اليوم، لهذه الأرقام، كي لا توهمنا ضخامتها بالحيز الذي نحتله في أسواق المال العالمية.
2- ما هي القيمة الحقيقية النسبية أيضا لهذه الأرقام؟ فقد أدى التطور العالمي لمستوى المعيشة، وخصوصا في البلدان المتقدمة، إلى رفع سقف المستوى المعيشي للفرد، الأمر الذي قلص من القيمة المطلقة للدخل. فعندما نتحدث عن 810 مليارات دولار، ينبغي أن نقارن ذلك مع قيمة شركة صغيرة لم يتجاوز عمرها 15 سنة مثل ياهو (Yahoo) بلغ سعرها ما يقارب 50 مليار دولار، وأن بعض الأفراد في الهند باتت بحوزتهم ثروات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وحديثنا هنا لم يتناول الشركات الكبيرة من أمثال جنرال إلكتريك (GE).
3- ما قيمة هذه الرساميل أمام «البضائع المعرفية»؟ ولنبدأ ببضاعة التعليم العالي. فحتى التسعينيات كانت الكلفة السنوية للتعليم الجامعي في الجامعات الأميركية المعروفة ذات المستوى المتقدم من أمثال هارفرد وبرنستون، لغير المواطن الأميركي، تربو قليلا على 20 ألف دولار (20،000) ، أما اليوم فهي تلامس 30 ألف (30،000). وإذا انطلقنا من الحرم الجامعي نحو السوق فستكون المقارنة مجحفة جدّا بحق الدول الخليجية. تكفينا الإشارة إلى صناعة بضاعة واحدة هي «الاستشارات»، التي تكلف الحكومات الخليجية مليارات الدولارات، ويمكننا العودة هنا إلى ما أنفق على إستراتيجيات الحكومات الإلكترونية خلال السنوات العشر الماضية كي ندرك من أموال التفط التي تلقتها الدول الخليجية بيدها اليمين استعادتها الشركات العالمية الضالعة في الصناعة المعرفية باليد الشمال. وليس المقصود هنا التشكيك في جدوى تلك الاستشارات أو أهميتها، بقدر ما أردنا لفت النظر إلى القيمة الفعلية للأرقام النفطية.
4- ما القطاعات الصناعية التي وظفت فيها المداخيل النفطية؟ لسنا بحاجة إلى إيراد الأرقام كي ندلل على أن نسبة عالية من تلك الأموال ضخت في قناتين أساسيتين: الأولى، كانت التوسع في غابات الإسمنت التي باتت أبراجها – بدلا من أشجارها – تغطي أراضي وسماوات الدول النفطية. مساحات شاسعة تم هدمها، دونما سبب، وأعيد تنصيب الأبراج فوقها دونما مبرر اقتصادي مجد على المستوى الوطن، والثانية، كانت إعادة ضخ الأموال إلى الغرب إما في شكل واردات من البلدان الأجنبية أو ودائع في مؤسساتها المالية. محصلة ذلك: رساميل محنطة غير قادرة على توليد، أو ضخ، قيمة مضافة حقيقية ومستمرة للاقتصاد الوطني، أو تهريب شرعي للأموال الوطنية كي تبقى تحت سيطرة ونفوذ قوى أجنبية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ