من المعروف أن تفرغ المرأة للأعمال التطوعية مرهون بأسباب كثيرة لعل أبرزها قناعتها بأهمية العمل التطوعي وبأدوار المرأة المجتمعية ولأسباب أخرى كثيرة لست بصدد تعدادها وتبيانها، بالمقابل لا يمكن نكران مواقفها وتحملها لجزء لا يستهان به في التنمية المجتمعية، ولعل ظروف المرأة اليوم لم تتغير كثيرا عن الأمس للمسئوليات الكبيرة التي تحملها المرأة على ظهرها، على رغم قناعاتها العميقة وحرصها الأكبر على الوجود على الخريطة المجتمعية بحسب الظروف المواتية لها.
أقول ذلك اليوم لكوني تابعت وبكل أسف الحل الطوعي لأحد الجمعيات النسائية الأسبوع الماضي وتحديدا جمعية «الحور النسائية» لأسباب كما صرحت بها رئيسة الجمعية الأستاذة شهناز ربيعي تتعلق بانشغال العضوات الإداريات للجمعية، ولعدم تفرغهن الكافي لأعمال وإدارة الجمعية.
جمعية الحور النسائية تعد واحدة من أهم الجمعيات النسائية التي أشهرت في أغسطس/ آب 2003 قبل نحو خمس سنوات من الآن، فقد كانت للجمعية أدوار كبيرة من خلال أهدافها التي كانت تنادي بها الجمعية فور إشهارها التي من بينها: تعزيز ثقة المرأة بنفسها وخلق الدافعية لديها للعمل والدراسة، ومواكبة التطور العلمي للمرأة وإعانة المحتاجين وتقديم شتى المساعدات لهم، إلى جانب الاهتمام بالمرأة ورفع مستواها الديني والعلمي وتنمية قدراتها الإبداعية والتقارب والتواصل بين المرأة البحرينية والمرأة في الدول العربية والإسلامية.
من خلال الوقوف على تلك الأهداف يتضح أن أهداف الجمعية لا تختلف كثيرا عن أهداف الجمعيات النسائية الأخرى، ولكنها رغبة المؤسسات العشر في تأسيس جمعية لهن وباسمهن «الحور» من دون الرغبة في الانضمام إلى أحد الجمعيات النسائية الموجودة آنذاك والموازية لهن في التيار والمتشابهة لهن بالأهداف كجمعية المستقبل النسائية على سبيل المثال التي تأسست في الفترة نفسها تقريبا والقريبة جدا منها في الموقع أيضا لتقويتها ومساندتها في تحقيق الأهداف.
ولكنها اليوم تعلن أنها لا تمتلك الكوادر النسائية القادرة على مواصلة العطاء وتحقيق الإنجازات بالمستوى الذي تطمح أن تحققه عندما أعلنت رغبتها في تشكيل جمعية باسمها. نأسف لهذا القرار وهذا الموقف المتخذ ولكننا نحترمه ونقدره، وبدورنا نشيد بالخطوات الجريئة المتخذة في الحل الطوعي لكون القرار الأول من نوعه، والأسباب لعدم تفرغ العضوات وعجز الجمعية عن تحقيق الأهداف، كما نعيب بدورنا على الجمعيات الأخرى التي لم نعرفها إلا في يوم الإشهار من خلال تصريح صحافي، ولا نعرف عنها شيئا، حتى أسماؤها لا يمكننا تذكرها لغيابها عن ذاكرتنا وعن الإعلام.
جمعية الحور التي أخذت من منطقة عالي مقرا لها ظلت نشاطاتها بالدرجة الأولى محصورة بصورة أكبر ضمن المنطقة إلى جانب نشاطات أخرى في مناطق متفرقة وأخرى مشاركات خارج البحرين، ولكننا حرمنا من معرفة نشاطاتها لا لشيء سوى كون الجمعية لا تعتمد في إيصال أخبارها ونشاطاتها إلى الإعلام، إما لأسباب تتعلق بعدم توافر الكادر المناسب للتعاطي مع الإعلام أو أن هناك توجها من الجمعية ذاتها بعدم استغلال الإعلام للإعلان عن أخبار ونشاطات الجمعية حتى لا يكون الرياء ضيفا دخيلا على نشاطات الجمعية، على رغم أن ذلك لا يمكن بالضرورة قراءته بهذا الوصف.
السؤال: لماذا رغبت جمعية الحور في الحل الطوعي ولم تفكر في الاندماج مع إحدى الجمعيات النسائية الأخرى القائمة؟ هل النظام الأساسي للجمعية لا ينص في مواده على ذلك، أم أن قرار الحل الطوعي هو الحل الأنسب بحسب رؤيتهن؟ سؤال آخر: لماذا اختارت أن تؤول أموال الجمعية بعد الحل إلى جمعية رعاية الطفل والأمومة ودار المسنين ولم تكن إحدى الجمعيات النسائية الأخرى؟ وتم اختيار الأمومة والمسنين، ليس بهدف التقليل من حاجة تلك الجمعيات إلى الدعم والمساندة!
بالأمس كان عدد الجمعيات النسائية 19 جمعية واليوم بعد حل الجمعية نفسها أصبح عددها 18 جمعية. لا نعرف تحديدا كم العدد الذي ينطبق عليه قرار الحل الطوعي من عدمه، فلم نعد نعرف نشاطات الجمعيات النسائية ولا برامجها، وحاولت جاهدة أن أتذكرها فلم أتذكر سوى خمس أو ست جمعيات نسائية نشطة لها حضور إعلامي، إذا لم نبالغ في التقدير والبقية الباقية تبقى أسماء ضمن سجل جمعية التنمية الاجتماعية.
نقول لجمعية الحور النسائية: مؤسف جدا ألا تكتب للجمعية ظروف الاستمرار، ولكن بالمقابل نقول لها شكرا على الجرأة والصراحة وعلى القرار السليم، ونقول لغيرها من الجمعيات النسائية ليتكِ تحذين حذو الجمعية للتأسيس إلى واقع قائم على الصراحة وقراءة الواقع لا المزايدة.
ومن هذا المنطلق أرى أنه لا داعي إلى تأسيس جمعيات نسائية أخرى مستقبلا إلا بعد التفكير مليا في القرار، والجماعات الراغبة في التأسيس عليها أن تنخرط وتندمج ضمن الكيانات النسائية المتشكلة حاليا دعما لجهود المرأة القائمة، وخصوصا أن أعداد النساء العاملات في العمل التطوعي النسائي قليل جدا، ومازلنا نعاني إلى اليوم من مشكلة عزوف المرأة عن العمل التطوعي ولم نجد لها العلاج، وحتى لا نركز على الكم ويضيع الكيف - وضياعه وارد - علينا أن نقوي ما هو موجود لضمان بقائه واستمراره؛ لأنه الأولى من إيجاد كيان جديد عوامل بقائه مرهونة بمعادلات صعبة التحقق وغير مضمونة، وخصوصا مع وجود الاتحاد النسائي ووجود جمعيات نسائية لكل تلاوين التيارات في البحرين.
الاتحاد النسائي وللأسف الشديد يعيق هذا التوجه لكونه لا يقبل بعضوية الأفراد ويقبل عضوية المؤسسات والمؤسسات، وإذا بقيت دون تغيير فستكون هناك قوى مهيمنة ومسيطرة وأخرى لا وجود لها على خريطة العمل النسائي.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ