العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ

دواء سيّئ لشعب فقير

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

تُظهر الأبحاث الميدانية الجديدة أن ثلث عقاقير الملاريا التي تم فحصها في ست من المدن الإفريقية قد فشلت على الأقل في تجربة واحدة تتعلق بجودتها، بينما تستمر وكالات التنمية في تمويل عقاقير لم يتم فحصها وهي دون المستوى المطلوب.

تقول منظمة الصحة العالمية إن خُمس ما يقرب من مليون طفل الذين يموتون كل سنة من مرض الملاريا إنما يموتون بسبب سوء مستوى جودة العقاقير التي تعطى لهم.

وفي عينة العقاقير ضد الملاريا التي بيعت في ستة من البلدان الإفريقية وجدنا أن 32 في المئة من تلك العقاقير التي أُنتجت في آسيا فشلت في اختبارات الجودة الأساسية، كما فشلت 48 في المئة من تلك العقاقير التي أُنتجت في إفريقيا التي ظهرت نتائجها في نشرتنا الصادرة في 7 مايو/ أيار في المكتبة الأميركية العامة للعلوم التي تم استعراضها من قبل المجلة الطبية (بلوسون).

العقاقير المزيفة أصبحت مشكلة متفاقمة في الأمم الغنية أيضا. لقد تسبب عقار هيبارين في وفاة ما لا يقل عن 81 أميركيا، كما أن عقاقير الفياجرا المزيفة وعقاقير مكافحة الكوليسترول والمسكنات أصبحت تنتشر بشكل متزايد على امتداد الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي الوقت الذي تبذل فيه منظمة الغذاء والدواء الأميركية، ومنظمة الصحة العالمية، والإنتربول، ووكالات الصحة ومؤسسات تطبيق القانون أقصى جهودها لملاحقة المزورين الرئيسيين فإن وكالات التنمية التي تموّل من قبل دافعي الضرائب - بما في ذلك الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، والسل، والملاريا - مازالت تموّل مبيعات أدوية لم تتم تجربتها، وهي في كثير من الحالات أدوية سيئة الصنع، وتباع للفقراء.

وقام نيرج ديفا، عضو البرلمان الأوروبي عن جنوب شرق إنجلترا والناطق باسم حزب المحافظين فيما يتعلق بالتنمية الدولية باستجواب اللجنة الأوروبية في مارس/ آذار متسائلا: «لماذا تُموّل عقاقير في بلدان العالم النامي التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتم الموافقة على استعمالها على مواطني المجموعة الأوروبية؟».

وأجاب المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية لويس ميشيل، في إجابة طويلة اعترف من خلالها أن السبب الرئيسي في ذلك هو «تحفيز التنافس» للعقاقير ذات الأسعار المنخفضة، على رغم أنه لم يذكر شيئا عن التعرفة المحليّة التي ترفع أثمان تلك العقاقير في كثير من البلدان الفقيرة.

دافعو الضرائب الأميركيون يمولون نحو ثلث موازنة الصندوق العالمي - نحو بليون دولار في السنة - ومع ذلك، لم يسأل أي مُشرّع أميركي لماذا أن دولارات الضرائب الأميركية تشتري عقاقير غير مجرّبة، مع أن تلك العقاقير يمكن أن تُهدد حياة الناس الذين يشترونها، وأنها ربما لن تُخفّض من أسعار تلك العقاقير!

ويذكر هنا أن وكالة التنمية الألمانية ذكرت أن العقاقير التي تُنتَج محليا في غانا هي في كثير من الحالات أعلى ثمنا من تلك التي يتم استيرادها من الهند أو الصين أو أوروبا. كما أن فعاليتها أكثر عرضة للشك والتساؤل. إن الشيء الوحيد الذي يطلبه الصندوق العالمي هو أن تكون العقاقير قد أُنتِجت في مُنشآت تُظهر ممارسات إنتاج جيدة، وهذا يعني في الحقيقة شركة تستطيع إنتاج الأسبرين وتصبح بذلك مقبولة لإنتاج عقاقير أكثر تعقيدا وربما تكون ضارّة أيضا مثل عقاقير مكافحة الملاريا.

إن العقاقير ذات المواصفات العامة والمشتركة التي تُباع للغربيين، يجب أن تخضع لتجارب بيولوجية موازية بحيث تُثبت أنها فعلا صورة طبق الأصل للعقار الأصلي. بيد أن الصندوق العالمي لا يطلب إثباتا على فحص بيولوجي مقابل للعقاقير التي تتم الموافقة عليها في القائمة.

وعلى رغم أن نصف عينة العقاقير المُنتجة في إفريقيا فشلت تجربة الجودة فإن نشطاء الصحة يواصلون الترويج للمنتجات المحلية المدعومة والاستيراد من مُنتجين في آسيا غير خاضعين للإشراف الكافي، بغية زيادة توافر تلك الأدوية في إفريقيا.

بكل تأكيد تستطيع بعض البلدان الإفريقية وبعض المنتجين الجيدين في الهند والصين إنتاج عقاقير آمنة. وليس واضحا كم من العقاقير التي أجرينا تجارب عليها في غانا وكينيا ونيجيريا ورواندا وتنزانيا وأوغندا هي فعلا تُنتَج بتمويل من الصندوق العالمي، إذ إن الصندوق لا يكشف النقاب عن كيفية إنفاق أموال دافعي الضرائب.

ولكن إذا لم يكن الصندوق هو المُموّل لعقاقير سيئة الصنع، فإن مجرد وضعها في القائمة المقبولة يُرسل إشارة خاطئة إلى الـ136 بلدا التي تُباع فيها: فجميع العقاقير التي تم فحصها من قبلنا كانت موجودة على قائمة السجلات الوطنية للبلدان ذات العلاقة، الأمر الذي يُظهر عدم قدرتها على مراقبة القوائم التي تصدر عنها. ففي الهند التي لا توجد فيها سلطة وطنية لمراقبة إنتاج العقاقير، فإن الولايات المختلفة في الهند تُعطي رخص إنتاج العقاقير ذات المواصفات العامة (واضعة نسخا من العقاقير التي تحمل براءة اختراع أو من دون براءة اختراع)، وفي بعض الأحيان لأغراض التصدير فقط. كما أن المُصدّرين لا يحتاجون حتى الخضوع للمستويات المحلية المختلفة.

الصندوق العالمي ينفي أن هنالك مشكلة، فآخر اجتماع لمجلس الإدارة الذي عُقد في أبريل/ نيسان الماضي لم يبحث في الموضوع، ما يعني أنه ليس من المتوقع أن يُتخذ أي إجراء قبل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني على أقرب وقت خلال اجتماع مجلس الإدارة المقبل.

إن سياسة الصندوق العالمي الحالية تُلحق الضرر بأكثر فئات الشعب انكشافا وضعفا عن طريق دعم مُنتجات من دون المستوى المطلوب، بيد أن الأطفال الإفريقيين لا يستطيعون أن يُدافعوا عن أنفسهم، ولا يبدو أن البيروقراطيين والنُشطاء مُهتمون بما يجري! وعلى المرضى ورجال الصحّة والحكومات في البلدان الفقيرة أن يبدأوا بالاحتجاج بصوتٍ عالٍ ضد هذا النفاق.

*مدير مؤسسة «مكافحة الملاريا في إفريقيا»، واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً