هناك قناعات مختلفة ومتباينة عن الدوام المرن وجدليته، وخصوصا بعد أن عُلم أن هناك نيات مبيتة لدى وزارة التربية والتعليم بتطبيقه سابقا وبعد أن صرحت أخيرا برغبتها في تطبيقه على ثمانٍ من المدارس الحكومية العام الدراسي المقبل (2008 - 2009) بغرض تعميمه على بقية المدارس لاحقا بعد تقييم التجربة.
القناعات المتباينة مردها إلى أن هناك بعض التحفظات على آليات الوزارة في اتخاذ القرارات من جهة وتجاهل قطاع المعلمين وأولياء الأمور والطلبة من جهة أخرى، على رغم أن هناك قناعات أيضا بضرورة وأهمية المشاركة المجتمعية؛ فلم تعد الوزارة اليوم تعمل بمنأى عمن حولها من أطراف، فضلا عن ضرورة بلورة قرار وموقف متفق عليه لتفادي الاحتجاجات والملاحظات السلبية، إلى جانب أغراض أخرى وهي توفير الأرضية المناسبة لإنجاح القرار وبالتالي نجاح المشروع وهذا الذي في غالبية الأحيان يؤخذ على الوزارة والحفرة ذاتها التي تقع فيها، ولا أعرف إلى الآن لماذا تتحاشى الوزارة صنع قرار جماعي على رغم إيجابياته الكثيرة وسلبياته القليلة.
أتفهم جيدا الرغبة الكبيرة لدى المعنيين في الوزارة وحبهم الأكبر للتغيير والتطوير، ومواكبة المستجدات التربوية حتى نكون دائما في الطليعة ولا نكون آخر الركب، ولكن هذا التوجه يحتاج منا إلى تغيير آليات عملنا وسياساتنا التربوية منها والإدارية.
وبالنسبة إلى الدوام المرن الذي لم تعلن عنه الوزارة إلى الآن بصريح العبارة، فإن المراقب يدري أن هناك قنبلة ربما تنفجر مع بداية العام الدراسي الجديد أو قبله بأسبوع، واليوم تتم تهيئة الأجواء له من خلال إلقاء الكرة في ملعب ديوان الخدمة المدنية باعتباره الحاضن للمشروع لكونه الجهة المختصة بتطبيق النظام تدريجيا.
لكل الإيجابيات التي ذكرتها الوزارة عبر أكثر من تصريح أوافق وبشدة على النظام المرن حتى لو وصفه البعض بأنه لا يتصف بالمرونة مطلقا، ولكنني أرجع من جديد وأقول: يا جماعة الخير، هناك العديد من الثغرات والفراغات يجب ألا يأخذنا الحماس الكبير فننساها وسأوردها عبر هذا المقال، وقبلها سأسرد كل الإيجابيات التي أضم صوتي لها باعتباري ولية أمر وأرغب أيضا في أن يستفيد أبنائي من كل تلك المزايا ولا أريد أن أتعصب في رأيي وقراري فيخسر ابني وكل أحبائي تلك المزايا.
من خلال الدوام المرن سيتم توفير المزيد من الوقت لعمليات التعليم والتعلم بالإضافة إلى توفير الوقت للطلبة لتأدية واجباتهم المدرسية خلال اليوم المدرسي بإشراف معلميهم، وكذلك زيادة الفرص أمامهم لممارسة هواياتهم وتعزيز وتنفيذ الأنشطة المدرسية التربوية والبرامج اللاصفية، وتعزيز الفرص المتعلقة بالتنمية المهنية للمعلمين وسائر العاملين بالمدرسة، والاستفادة القصوى من المنشآت والمرافق المدرسية مثل الصالات الرياضية والملاعب ومراكز مصادر التعلم ومعامل الحاسوب والمختبرات العلمية بتوظيفها واستثمارها بصورة أكبر لصالح الطلبة، مع توفير المزيد من الوقت للتواصل بين أولياء الأمور والمدرسة.
المشكلة أنه تم تجاهل المعلمين، الذين يتعصبون لآرائهم فقط لكونهم اليوم أداة مهمة جدا في تنفيذ المشروع، تجاهلا تاما ولم يؤخذ بآرائهم، ولكنهم سيدفعون الضريبة غالية الثمن وسيؤثر ذلك حتما على أوضاعهم الاجتماعية والتربوية والنفسية، فقبلها كانوا محسودين، لأن ساعات العمل المطلوبة منهم بصورة يومية أقل من غيرهم، فضلا عن انتهاء أوقات عملهم قبل غيرهم من الموظفين في القطاع العام.
ما أرجوه من المعلمين أن يضعوا على رؤوسهم قبعة ولي الأمر لكون أبنائهم سيستفيدون من الدوام المرن استفادة كبيرة، وعليهم ألا يهتموا أنهم طرف منسي في المعادلة حتى يستطيعوا من جديد تقبل فكرة الدوام المرن وغيره من المشروعات أو القرارات الوزارية مستقبلا والتي تصب في مصلحتهم ومصلحة أبنائنا الطلبة.
نعم، لابد أن تكون لذلك آثار سلبية شأن أي قرار وأي تغيير، ولكن لا يجب أن ننظر إلى الأمور دائما نظرة ضيقة، أو ننظر دائما إلى وزارتنا على أنها لم تستفد بعد من دروس من قبلها أو من حولها بل يسعدنا دائما أن تأخذ بأيدينا إلى حيث التطوير والتغيير. لكني أتفق معهم على أن هناك الكثير من المدارس غير مهيأة بالمرة لتطبيق البرنامج لكونها تفتقر إلى أهم المرافق، كما أنها غير جاهزة لاحتضان الأطفال إلى ما بعد الظهر لشدة حرارة الجو ولعدم توافر المظلات والكراسي والطاولات اللازمة لتوفير أسباب الراحة لأبنائنا الطلبة. أتمنى أن تكون الوزارة قد درست فعلا جدوى المشروع وحاجتها الفعلية إليه، فقد برز العنوان لأول مرة عبر الصحافة في محاولة من الوزارة لتقديم حلول للأزمة المرورية ولاسيما في الفترة الصباحية، ففكرت في مد الدوام وتأخير الجرس الصباحي.
وأعتقد بأنه في السابق كانت لدينا أزمة مرورية في الفترة الصباحية لكون الجميع يكون في الشارع لتحصيل دوامه الصباحي، بعد ذلك تبدأ الشوارع تهدأ من جديد. وما أتوقعه أنه بعد تطبيق الدوام المرن لن تكون هناك فترات هدوء للشوارع لا في الفترات الصباحية ولا المسائية، وستظل المشكلة تراوح مكانها، ولكن حتما سيكون أبناؤنا مستفيدين من الأجواء التربوية جراء تطبيق الدوام المرن بعد توفير احتياجات المشروع ومقومات نجاحه، فالمختبرات العلمية غير المتوافرة في بعض المدارس اليوم أتوقع أن تكون موجودة غدا وقس على ذلك الصالات الرياضية وغيرها من منشآت غاية في الأهمية وستتحاسب الوزارة عليها إذا لم توفرها لكونها أركانا مهمة في المشروع ولا يمكن التفريط في أهميتها وتوافرها.
وأخيرا، الدوام المرن يفرض علينا أن نتصف بالمرونة المطلقة حتى نكون اسما على مسمى ولا نكون غير كذلك.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2155 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ