العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

تبرئة مالك العبّارة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في فبراير/ شباط 2006، شهدت مصر أسوأ الكوارث البحرية في تاريخها الحديث، بغرق العبّارة «السلام 98»، الذي تسبّب في مقتل أكثر من ألف مواطن مصري، ومعظمهم من العاملين في السعودية العائدين إلى أسرهم بعد سنوات من الغربة.

العبّارة المنكوبة تعود ملكيتها لعضو مجلس الشعب المصري ممدوح إسماعيل ومالك شركة «السلام»، الذي هرب بصحبة ابنه إلى بريطانيا بعد الكارثة، فأصدرت النيابة العامة المصرية في مايو/ أيار 2006 مذكرة جلب بحقهما عبر الانتربول، كما تم رفع الحصانة البرلمانية عن النائب الهارب والحجز على أمواله. وسبق ذلك أن ألقت لجنة تحقيق برلمانية مسئولية الكارثة على الشركة التي استخدمت العبّارة رغم وجود أعطال كبيرة فيها. أما إسماعيل فقد نفى عن نفسه أية مسئولية، وألقى بالمسئولية على ربان السفينة الذي قضى مع الضحايا!

قبل يومين، نقلت وكالة الـ (د ب أ) خبرا عن تبرئة المحكمة خمسة من المتهمين الستة في قضية العبارة، من بينهم الهاربان في بريطانيا، ومشرف الملاحة في شركة النقل البحري، واثنان من موظفيها.

الحكم بتبرئة مالك العبّارة الهارب لم يكن قابلا للهضم، ولذلك أخلت قوات الأمن المكان منعا لحدوث اعتداء على هيئة المحكمة من قبل الأهالي الغاضبين، الذين كانوا يأملون بصدور حكم عادل يقتص من المتهمين. وقد نقلت الفضائيات لقطات تكشف ما أصاب أهالي الضحايا من غضب هستيري، واشتباك بعضهم برجال الأمن. وصاح أحدهم منفجرا: «1034 شخصا ماتوا، كل الناس براءة... فمن هو المتهم إذا؟». وتابع ساخرا: «يوم الحادث رأينا كل شيء في الإعلام واكتشفنا الأعطال، وبعد سنتين يقولون إن العبّارة سليمة وليست فيها أعطال»! وهاجم إسماعيل وابنه عمرو، (نائب رئيس الشركة)، قائلا: «لقد هربوا بعد الذي حصل مباشرة، فلم هربوا إن لم يكونوا الجناة؟».

ولأن كارثة من هذا الحجم ما كان تسجيلها ممكنا ضد مجهول، وخصوصا بعد أن أصبحت تحت مسمع الإعلام الدولي وبصره، فإن البحث أسفر عن وجود متسبّبٍ حقيقي في الكارثة، وهو ضابط بحري اسمه صلاح الدين جمعة، كان يعمل ربانا لسفينة «سانت كاترين»، فقضت المحكمة بحبسه ستة أشهر مع الشغل، وكفالة 10 آلاف جنيه، لعدم تقديمه مساعدة «عبّارة السلام»، و «لأنه شخصٌ غابت عنه الرحمة ولم يستجب لنداءات السفينة الغارقة لتقديم المساعدة».

المحكمة لم تصل في تحقيقاتها إلى اكتشاف دور الهاربَيْن في الكارثة، ولذلك حكمت ببراءتهما، التزاما بحذافير القانون وإرضاء للضمير، فخرجا من التهمة خروج الشعرة من العجين! ولم تحاول فيما يبدو الإصرار على جلبهما للمثول أمامها، فهما بريئان حتى يثبت العكس. وحتى لو استخدما عبّارة كثيرة الأعطال، انتهت بركابها إلى الموت غرقا في البحر، فإن هذا لا يعني أنهما شخصان غابت عنهما الرحمة!

نتكلّم عن عيوبنا نحن العرب، ونمر بالمشرط على الجرح، ويحزننا وضع مصر الكبيرة الشامخة وما انتهت إليه أوضاعها. أمةٌ فقدت حضورها في التاريخ وأشرفت على دخول مرحلة الغيبوبة الحضارية. بهذه الأحكام التي تصدر عن نظام القضاء العربي... هل ننتظر أن يحترمنا العالم؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً