شهدت بعض محافظات الكويت على امتداد الأيام الثلاثة الماضية سلسلة من مظاهر الاحتجاج انطلقت على هيئة مظاهرات وتجمهرات سلمية، ثم تصاعدت كي تصل إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصة بما فيها المنازل، ناهيك عن تحطيم سيارات وبعض المكاتب ومؤسسات الإنتاج. قام بهذه الأعمال عمال آسيويون معظمهم ينتمون إلى الجنسية البنغالية.
ليس المقصود هنا الدخول في تفاصيل الحادث، من أجل التوصل إلى حكم يدين المسئول عن اندلاع أعمال العنف هذه، إذ لن يقودنا ذلك الطريق إلى وضع أصابعنا على لب المشكلة التي هي أبعد من 600 بنغالي يتظاهرون أو «يثيرون الشغب» من أجل تحسين شروط العمل التي يعملون فيها، وأعمق من مطالبات آنية لتغيير ظروف سكنهم نحو الأحسن.
المسألة تحتاج إلى وقفة جادة من مسألة العمالة الوافدة نظرا إلى مجموعة التحديات التي تضعها هذه الكتلة البشرية أمام الحكومات والمؤسسات الخليجية في آن.
التحدي الأول هو ذو بعد حضاري، فهؤلاء الأسيويون، على اختلاف مشاربهم قدموا من مجتمعات تنتمي إلى حضارات تختلف، أو تتباين مع الكثير من مقومات الحضارة الإسلامية السائدة في المنطقة. واليوم إذ تطفو إلى السطح مظاهر، ومن تحتها مشاكل «الصدام الحضاري»، فمن الطبيعي أن نتوقع أن تكون بذور هذا الصراع التي غرستها أيادي الوافدين الأوائل إلى المنطقة بدأت في إعطاء أكلها. هذا الصراع قد يعبِّر عن نفسه في انتفاضات عمالية مطلبية، لكنه يحمل في أحشائه عناصر التنافر الحضاري بين القادمين وسكان المنطقة الأصليين.
ثاني هذه التحديات خلفيته سياسية، مصدرها درجة التطور السياسي التي بلغتها الدول التي قدمت منها الكتل البشرية، فبعضها مثل الهند، ينعم المواطن فيها بمزايا الأنظمة الديمقراطية، إذ طورت الهند على امتداد مئات السنين التي سبقت الاستقلال عن بريطانيا، وخلال سبعة العقود التي تلت الجلاء البريطاني نظاما سياسيّا ديمقراطيّا لا يختلف عن تلك الأنظمة القائمة في الغرب. هذا النظام يكتنف في زواياه الكثير من الاحترام للأقليات الإثنية والدينية المقيمة في الهند. الجالية الهندية في الخليج، وهي الغالبية من بين الوافدين، تفقد الكثير من تلك الحقوق التي تتمتع بها في بلادها، وتجد نفسها مجردة من كل شيء يتجاوز العمل والأكل.
التحدي الثالث له أبعاد ديمغرافية، فبخلاف المجتمعات الأخرى التي استقبلت أيادي عاملة أجنبية، لم تصل نسب تلك الأقليات بالنسبة إلى السكان الأصليين، باستثناء الولايات المتحدة والتي هي حالة استثنائية، إلى ما وصلت إليه في منطقة الخليج، إذ تبدأ هذه النسب بما يقارب من 15 في المئة وتتنامى لتبلغ في بعض الإمارات إلى ما يربو على 70 في المئة في أدنى تقدير.
هذه الحالة الفريدة أحدثت تخلخلا ديمغرافيّا تبدو ظلاله واضحة في الكثير من معالم الحياة، وتنعكس سلبا على مؤسسات الإنتاج، وخاصة تلك التي تكون ظروف العمل فيها قاسية، مثل الإنشاءات والبناء، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى انفجارات اجتماعية كتلك التي عرفتها الكويت حديثا، وكانت إمارة دبي سبقتها إلى ذلك.
رابع تلك التحديات ينبثق عن قنوات اقتصادية، فسابقا كانت خيارات الهجرة إلى مناطق العمل محدودة أمام تلك الأيدي الآسيوية الباحثة عن لقمة العيش تحت أية ظروف. أما اليوم، وفي سيادة ظروف العولمة، ومعها قوانين اتفاقيات التجارة الدولية، انفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الأيدي العاملة تلك، وخصوصا ذات المهارات العالية منها. هذا الانفتاح لم يقتصر أمره على الأسواق الخارجية بل حتى الداخلية منها والتي كانت إلى فترة قريبة، مركزا من مراكز تصدير اليد العاملة.
من هنا، فالأمر ليس بسيطا كما يبدو للبعض، والقضية ليست زيادة في المرتب هنا، او تحسين لوضع معيشي هناك. لابد لنا، أن أردنا الاستمرار في الاستفادة مما تقدمه هذه اليد العاملة الوافدة، من وضع إستراتيجية طويلة المدى تقف بجدية أما تلك التحديات وتحاول مواجهتها على نحو شامل على المستوى الأفقي العام، وكل على حدة على المستوى العمودي الخاص. والمقصود بالخاص هنا، هو على مستوى البلد التي قدمت منها تلك اليد العاملة الوافدة، أو القطاع الصناعي أوالمهني الذي تشغله.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ