تسود أخبارالحروب والإرهاب نشرات أنباء وبرامج المحطات الفضائية العربية منها والدولية. نادرا مَّا تخلو نشرة أخبار عن انفجار مفخخ هنا أو هناك، أو عملية انتحارية في هذا البلد أو ذاك، أو حملة عسكرية يقوم بها جيش هذه الدولة أو تلك. ضحايا هذه العمليات عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وكلفتها تتجاوز المليارلات من الدولارات. وبدلا من أن نسمع عن موازنة مخصصة للحد من استشراء الجوع في إحدى الدول الفقيرة، أو أن نرى أرتال حملة لمكافحة الأمراض في دولة أخرى، بتنا نصعق بالموازنات الضخمة الفلكية المخصصة لأبحاث التسلح أو للإنفاق على عمليات الغزو أو ما أصبح يعرف بـ « مكافحة الإرهاب».
آخر تقارير الحروب هذه وكلفتها صدر عن الكونغرس الأميركي، مبينا أن إجمالي كلفة الحرب التي تخوضها القوات الأميركية في العراق أصبحت تشارف تلك التي تكبدتها الولايات المتحدة في حربها على فيتنام، وأن الإنفاق الأميركي على العمليات العسكرية، بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، قد فاق ذلك.
وكشف التقرير الجديد لخدمات الأبحاث في الكونغرس أن الإدارة الأميركية أنفقت 648 مليار دولار على عمليات العراق العسكرية، في مستوى كلفة حرب فيتنام، وقدرها 686 مليار دولار، أخذا في الاعتبار القيمة الصرفية للدولار العام 2008. وحرب فيتنام هي ثاني أكثر الحروب كلفة بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ هجمات 11 سبتمبر بلغت المخصصات التي رصدتها واشنطن لعمليات مكافحة الإرهاب، في كل من افغانستان والعراق وبقاع اخرى من العالم، 860 مليار دولار. الخطير في الأمر أن التوقعات لا تشير إلى تراجع نفقات تلك الحروب، بل تنذر بتضخمها إذ تذهب تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس الى أن كلفة الحرب على العراق، كما هي متصورة حتى 2017، قد تصل الى تريليون دولار، إضافة الى 705 مليارات دولار هي قيمة فوائد المدفوعات». وتتنبأ تلك التقارير بأن تصل كلفة الحربين على العراق وأفغانستان معا، الى 2,4 تريليون دولار.
والسيئ في الأمر، أن الوقائع التي يعكسها الواقع تدحض إدعاءات من يشن معظم تلك الحروب من أمثال الولايات المتحدة، التي كانت المبررات التي تسوقها لتبرير تلك الحروب هي إدعاؤها بأنها تسعى إلى وضع حد للعمليات الإرهابية من جهة ونشر السلام في ربوع تلك البلاد من جهة ثانية. وإذا ما اخترنا الثلاث مناطق التي حظت باهتمام واشنطن وكان لها نصيب الأسد من تدخلاتها، فستصعقنا النتائج.
فالعراق مفكك وقلما يمر يوم دونما «حادث إرهابي»، وتنتشر فيه الأمراض الاجتماعية وتسود اقتصاده الفوضى، وتمزق وحدته النزاعات العسكرية قبل السياسية، والدولة فيه ليست أكثر من إدارة لإحدى المليشيات الفاعلة على أرضه وما أكثرها.
وليست أفغانستان، وعلى أرضها كانت خطوات أميركا الأولى على طريق الحروب، بأحسن حال من العراق، فكل يوم جديد يحمل معه عمليات ضد الجيش الأفغاني وضد القوات الأميركية والمتعددة الجنسيات. وكل يوم قتلى وجرحى.
أما فلسطين، فلم توقف المشروعات الأميركية، ومعها التراجعات العربية، آلة الحرب الصهيونية من الإمعان في عربدتها التي تجاوزت الحدود فباتت تحرج واشنطن قبل غيرها من العواصم التي كانت تاريخيا تدافع عن الحقوق الإسرائيلية».
لا يمكن إذا أن تكون الخسارة مطلقة، وتشمل الجميع. لابد من وجود طرف مستفيد من هذه الكلفة الباهظة، ومن ضخامة هذه الموازنات المرصودة. فطالما ان هناك تجارة للسلاح وتجار يقفون وراءها، فمن الطبيعي أن تكون هذه التجارة محكومة بقوانين السوق وآلياتها، والتي تقوم على أطراف خاسرة وأخرى مستفيدة.
وفي الولايات المتحدة قد تبدوالصورة معقدة، من جراء تشابك مصالح أكثر من طرف. فاليوم في الولايات المتحدة يتحدث الكثير من المصادر عن كارتيل التحالف القائم بين أمراء صناعة السلاح، والمتحكمين في شركات النفط واحتكاراته.
والحديث هنا عن ساحة عالمية، وعن اللاعبين الكبار المحترفين للعبة والمتقنين لقوانينها والمالكين لمهارات إدارة الضالعين فيها. ليست الصدفة وحدها هي التي تفسر ترافق اندلاع الحرب في مناطق مصادر الطاقة أو تلك القريبة منها، ولا يمكننا أن نقبل بأن نفصل بين تزامن الارتفاع في الأسعار واتساع نطاق الحروب.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2152 - الأحد 27 يوليو 2008م الموافق 23 رجب 1429هـ