العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ

عندما يرتدي الرؤساء اللبنانيون البدلة البيضاء

لبنان بلد التناقضات إلى حد الجنون أحيانا:

صورة الحكومة الجديدة جمعت الرؤساء الثلاثة والوزراء باللباس الأبيض، والسؤال المحيّر لماذا الأبيض؟

أحد العارفين أرجع هذا التقليد إلى أيام الانتداب الفرنسي عندما كان المفوّض السامي يرفض أن يستقبل الزوّار إلاّ باللباس الأبيض، وفي عهد الاستقلال الأوّل أظهر الرئيس بشارة الخوري نوعا من «التمرد» لكنه في النهاية استطاب له اللون الأبيض ولم يفارقه إلا في النوادر.

زميل سوداني فك لغز البدلة البيضاء، التي كان يرتديها رئيس مجلس السيادة إسماعيل الأزهري الذي حكم السودان في الستينيات بعد أن اكتشف أخيرا أنه درس في الجامعة الأميركية في بيروت، وأنه تأثر بالتقليد اللبناني ونقله معه إلى الخرطوم، بعد أن كان هو ومعظم السودانيين يعتقدون أن ارتداءه البدلة البيضاء يعود إلى تشجيعه صناعة النسيج الوطني والمعروف باسم «الدّمُور» وهو القماش الذي يحاك باليد.

اللبنانيون يتفاءلون باللون الأبيض كبقية البشر، فهو رمزٌ للسلام، كما أنه اللون الغالب لدى معظم ضباط البحرية في دول العالم، عدا عن كونه مُؤشرا لحالة «الفرح» التي نزلت على هذا البلد وشعبه بعد أنْ تعب من الحروب والاقتتال.

بعض المؤرّخين يرجعون السبب إلى المستعمرين الذين حلّوا في القارة الإفريقية، ومنظر الرجل الأبيض، مُحاطا بمجموعة من الأشخاص السود ومرتديا القبعة الانجليزية وربطة العنق القصيرة، يكاد يُُمحى من الذاكرة، وفي معظم الأوقات كان يظهر «المستعمر» بهذا الزي الذي يستهويه بعكس ما يقوم به من استغلال ونهب لثروات القارة.

الذين عاشوا في إفريقيا ومن أصحاب البشرة السمراء أو البيضاء يدركون حجم الغضب والانتقام الكامن في نفوس أبناء القارة تجاه كلّ ما هو أبيض أو أسمر، فالنظرة إليه تجسيد عن حالة من «الاحتقار» تكمن في عقولهم، تنتظر أيّ فرصة لتخرج بشكل عنيف ودموي.

ما زال الأبيض ملك الأناقة والتميّز، فالعروس لا تحمل هذه الصفة أنْ لم ترتد الفستان الأبيض، وكذلك رجالات السياسة اللبنانيون الذين ينزعون بدلاتهم الداكنة سريعا لتغيير إيقاع الحياة ولتوصيل رسالة للشعب الذي تاجروا به مفادها «نحن نحبّ السلام والحياة فلا تيأسوا».

صور الرسميين بالبدلة البيضاء قد لا تعكس الحقيقة، لكنها مشهد سريالي اعتادوا عليه بالمناسبات، خصوصا عند تشكيل حكومة جديدة أو في أثناء الاحتفال بعيد الاستقلال.

العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً