العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

المعتقل الإعلامي

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

تجربة الحرب الأخيرة غيرت مفاهيم كثيرة في شكل الإعلام العربي بصورة جذرية وخصوصا بعد النقلة النوعية التي حققتها بعض الفضائيات العربية في نقل صور المعارك والقصف الأميركي للمدن العراقية. وفي المقابل تمسكت محطات التلفزة الاميركية بصورة واحدة يغلفها التعتيم الإعلامي وبات تعاملها مع مجريات الحرب أشبه بمحطات تقليدية لا تريد للناس إلا ان يشاهدوا ما تريد أن يشاهدوه. هذا الاسلوب في التعامل أعاد إلى ذاكرتي نمطا من أنماط المحطات العربية التي مازالت تعتقد بأن الحقيقة ممكن أن تحجب بأساليب عفا عليها الزمن سعيا لكي لا تكون الصورة كاملة.

قبل يومين عادت إلى البحرين مجموعة من المراسلين الصحافيين الذين غادروها قبل الحرب بأسبوع على متن احدى السفن التابعة للبحرية الأميركية بعدما كان قسم العلاقات العامة في البحرية الأميركية رحب باصطحاب المراسلين الصحافيين الراغبين في مرافقة القوات الأميركية على ظهر السفن. لكن المدهش في الأمر ان هؤلاء الصحافيين ما إن وصلوا الى البحرين حتى بدأوا بسؤال الصحافيين والمراسلين المقيمين هنا: ماذا يحدث؟ وكأنهم كانوا في عالم آخر اختاره لهم النهج الاميركي في التعامل مع الاعلام.

هؤلاء الصحافيون قضوا أسابيعهم الثلاثة فقط في مشاهدة محطة التلفزة الاميركية الصهيونية (فوكس) ولم يسمح لهم بتوجيه أية أسئلة إلى أي من الطيارين الموجودين على ظهر السفينة، هذا إلى جانب أن أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم كانت قادرة على إرسال الرسائل إلى زملائهم او أهلهم، لكن يبدو أنها كانت عاجزة عن استقبال أية رسالة من الخارج. هكذا قضى هؤلاء الصحافيون رحلة أشبه بالمعتقل الإعلامي على ظهر سفينة في وسط البحر.

هذه التجربة لا يمكن إلا أن تفسر بشيء واحد، وهو أن الإدارة الأميركية تريد أن تبدو متعاونة مع الإعلاميين من خلال تقديم الدعوات إليهم بمرافقة قواتها، وأنها تنتهج الشفافية حتى في ظروف الحرب، وفي الوقت نفسه تريد أن تكتم أنفاس أقلامهم وعدسات كاميراتهم كيلا يُنقل ما تفعله يوميا بالمدن العراقية. تريد للجميع أن يخضع لعملية غسيل دماغ مشابهة للتي خضع لها الجنود الأميركيون الذين لا يعلمون عن أهداف هذه الحرب وتبعاتها، غير أن وظيفتهم هي تنفيذ الأوامر والقتل.

أحد المراسلين الأجانب الذي شارك في هذه الرحلة قال وهو يتحدث عن الجنود المشاركين في العمليات العسكرية في العراق بأنهم «ربما لا يعرفون في أية بقعة هم من العالم، وبالتأكيد لا يعرفون أي شيء عن السياسة، فقط يعرفون كيف يؤدون عملهم باعتبارهم جنودا»

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً