احتضنت المغرب منذ أشهر قليلة تظاهرة فريدة من نوعها، فقد نظمت معرضا للكتاب المستعمل، قيل وقتها إن المعرض لقي إقبالا كبيرا نتيجة عدة أسباب، أهمها على الإطلاق توافر الكتاب وبأسعار مناسبة بل ومناسبة جدا.
المعرض ولئن كان مميزا من حيث الفكرة، فإنه لم يحمل خصوصية، ذلك أن بيع الكتاب المستعمل تجارة لا يخلو منها بلد، بل إن البعض يعتبر هذه الأسواق «مغارة علي بابا» المليئة بالكنوز.
تنظيم معرض بهذه الصيغة لابد أن يحمل إلى مرتاديه كنوزا أكبر، على اعتبار أن الزائر سيجد ضالته من الإصدارات الجديدة كما القديمة أيضا. مثل هذه التظاهرة لابد أن تطرح سؤالا ملحا: هل تهدد هذه المعارض المعارض السنوية للكتاب؟ والإجابة تكون في صيغة سؤال أيضا: وماذا تحمل هذه المعارض من جديد؟
لن أكون جائرة في حكمي، ولكني أستطيع الإقرار بأن نسبة 70 في المئة على الأقل من الإصدارات، ليست ذات مغزى علمي ولا أدبي ولا حتى فكري، ذلك أن الموضة اليوم في الحقل الثقافي تبرز في إصدار أعداد لا تحصى من الإصدارات، لتبدو قطاعات الثقافة ووزارتها مهتمة ومشجعة وداعمة للفكر وأهله.
قد يغيب عن الذهن أن قيمة الكتاب في محتواه، وليست في فخامة طباعته، ولئن كانت هذه الأخيرة غير مقصاة من جملة العناصر التي ترفع من قيمة الكتاب المعنوية وخصوصا قيمته المادية.
فالكتّاب اليوم لا يشغلهم سوى تعويض المبالغ التي أنفقوها منذ مرحلة الكتابة وحتى الطبع والنشر والتوزيع، ولهم كل الحق في ذلك، لكن أن يصبح الكتاب مشروعا ربحيا، تجاريا، يغدو بمقتضاه الكاتب بمثابة التاجر الذي يقتات أو يرتزق من هذه المهنة، وهذا مرفوض لا محالة.
إن هذه الممارسة التي تلقى داعمين لها، تؤدي بالضرورة إلى إفشال البرامج الطموحة التي تهدف إلى دعم برامج إصدار الكتب ونشرها، ذلك أنه لا فائدة ترجى من نشر كتاب لا يضيف إلى قارئه سوى الخسارة الفكرية والمادية، كما أنه لا فائدة من إصدار ألف كتاب في السنة لا تحصل المنفعة إلا من عشرها. وعليه فإن التدقيق في المادة العلمية والأدبية أضحى ضرورة في سوق غلبت عليها الرداءة.
العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ