هم يعرفون بعضهم بعضا... أما نحن فبطاقة تعريفهم لدينا لا تحمل الكثير من التفاصيل لسردها.. فأسماؤهم مجرد ألقاب تعارفنا من خلالها، وأحلامهم صغيرة بحجم مساحة الأرض التي يفترشونها بحثا عن لقمة العيش المعجونة بمشقة اعتادوها من أجل سد الأفواه الجائعة وتوفير الاحتياجات الضرورية لحياتهم البسيطة.

تراهم أمامك، فلا تلمحهم... وتأخذك خطواتك السريعة بعيدا عنهم... إلى حيث رفاهية البضائع والديكورات الفخمة ونسمة الهواء الباردة... من عنيتهم بكلماتي السابقة هم بائعو «البسطات» الذين نراهم متجمعين في ساحة واحدة طوال أيام الأسبوع في غالبية قرى البحرين، إذ تشعر وأنت تسير وسطهم وكأنك في مجمع تجاري، ولكن الفرق أن السعر أقل والجو حار جدا... هؤلاء الباعة لهم عالم مفرداته الصبر وقوة الاحتمال، رأس ماله بقايا الأوراق النقدية التي لا تبحث عنها إلا عندما يرغمك طفلك الصغير على الشراء منهم.

أنا شخصيا من مرتادي هذه الأسواق، بل أفتخر بأن قميصي الذي أرتديه هو من ذلك الشاب الفلاني الذي وقف تحت أشعة الشمس ليكسب رزق يومه من عرق جبينه... زر هذه الأسواق لتتعرف على هؤلاء الناس البسطاء، فهناك تسمع من الحكايات ما يعجز كتاب «ألف ليلة وليلة» عن ضمها... ومن هذه القصة قصة رجل يلقبه الجميع بـ «أبو البنات» يفترش مساحة من الأرض ليست بالبسيطة، ولكنه يبيع أشياء بسيطة لا يتجاوز سعرها 200 فلس، إذ تخصص في بيع «ربطات وريَش» لشعر الفتيات... هو أب لسبع بنات، لا يكفيه راتبه الشهري لسد احتياجاتهن، لذلك فهو يبحث لهن عن الجيد ولكن بسعر أقل، فتجده دائم السفر لإحدى الدول الخليجية ليشتري لهن من الملبس ما يمكنهن من الظهور بالصورة التي يحببنها، وخلال سفره اكتشف أن لمستلزمات البنات أرباحا كثيرة، فقام بشراء كميات كبيرة من «ربطات وريش البنات» وبدأ ببيعها وسط أهله وأقاربه ومعارفه، ثم انتشرت هذه الأسواق فأخذ بحضورها... وفعلا 200 فلس على 200 فلس كونت له من الدخل السنوي ما لا يستطيع أحد أن يستهين به، إذ تمكن من خلال هذا العمل الحر الذي استغرق منه 5 سنوات من تأمين منزل يسعه وعائلته، بل هو من مرتادي الأماكن المقدسة مع عائلته سنويا... فلا تستهن بالـ 200 فلس إذ تستطيع بها أن تحقق ما تصبو إليه، ولكن اجعل الصبر وقوة الإرادة دافعك لتحقيق ما تريد.