لا غرو بأن التمثلات الذهنية التي يستحضرها كثير من القراء هي نتاجات البيئة المحيطة، والقوالب المحنطة، مضاف عليها قليلا من بهارات السلطات السياسية الحاكمة في العالم العربي... هذه التمثلات الذهنية هي التي تجعل من كثير من الكتاب العرب (السنة) يستهجنون ولا يظهرون الفرح والفخر بانتصار المقاومة في لبنان، كما أنها تجعل أقلام الكتاب العرب (الشيعة) مغلولة عن الكتابة عن انتصارات المقاومة في أرض الرافدين. والحال كذلك؛ فإننا أمام طأفنة البطولة والشرف! وذلك لعمري خسران مبين.
أما المتحرر من أغلال الطائفية والتمثلات الذهنية البالية، فإن لسان حاله يقول: هؤلاء وأولئك هم أبطال أمتي الذين نفخر بانتصاراتهم، هكذا هم أحرار أمتي يناضلون من أجل تحرير الوطن المحتل. أما ما يتداوله عرب الهرطقات والتسويات الاستسلامية في حضن المحتل الأميركي أو الصهيوني فإن رغوهم يذهب مع حجارة أطفال المقاومة ورصاصات بنادق الأحرار... ويبقى أحرار أمتي يحلمون بانتصارات المقاومة في كل بقاع العالم العربي، في العراق وفلسطين ولبنان.
لقد غرست المقاومة اللبنانية بزعامة السيد حسن نصرالله راية نصر لأبناء الأمة العربية والإسلامية من الممكن أن تغرس في أكثر من بقعة محتلة في الوطن العربي. هذه الراية عنوانها حق مقاومة المحتل، وهي تواصل لراية كرسها الزعيم جمال عبدالناصر حينما قال: ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
أيا كان التفاوت بين القوة المادية للفريقين، إلا أن ميزان العدل والحق لابد أن ينصف المقاومين ولو بعد حين. إن دعائم القوة المادية للمقاومة اللبنانية لا تساوي واحدا على المليون من قوة الصهاينة (المادية)، إنما قوة الإيمان بالقضية والحق الذي لابد أن يسترد هي التي رجحت من ينتصر ومن يهزم في ختام المعارك. هذه القوة الروحية التي تتوج عزيمة الرجال في المقاومة هي التي انتصرت واندحرت أمامها آلة الحرب الصهيونية والمدعومة من قبل الأميركان.
مما لاشك فيه أن المقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية ستنتصر وإن طال الزمن، حينئذ تتجرع قوات الاحتلال وأذنابه مرارة الانهزام أمام القوة الروحية، وقوة الحق التي تزهق الباطل زهقا. طار النائب سعد الحريري، (قوى 14 آذار) إلى العراق، في الحقيقة طيرانه إلى العراق ولقاءه بالمالكي - رئيس وزراء دولة مع وقف الإرادة الحرة - هذا اللقاء يحمل دلالات كبيرة لانهزام مشروع الشرق الأوسط الكبير. فالأميركاني لا تعنيه شيعية المالكي وسنية الحريري، بل ما يعنيه تطبيق الأجندة المعلنة والخفية في المنطقة، وذلك من أجل استمرار السيطرة على منابع النفط وضمان أمن الكيان الصهيوني واستمرارية استنزاف الثروات العربية.
الحريري (السني) تخلى عن المقاومة منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني في العام 2006، والمالكي (الشيعي) استغنى عن كل مفردات الخطاب العربي الإسلامي منذ تسلمه للراية من اليانكي الأميركي. النظرة إلى أن هناك سنيا مقاوما وشيعيا متخاذلا مع الاحتلال الأميركي في العراق، أو شيعيا مقاوما وسنيا متخاذلا في لبنان، هي نظرة سقيمة للأشياء، وهي نظرة تسطيح لحد السذاجة التي لا يملك المرء أمامها إلا التندر على حال الأمة العربية وتدني مستوى الوعي، ليس وعي رجل الشارع العادي بل وعي النخب.
نهنئ أنفسنا بهذا الانتصار - مع التحفظ على ما يتعلق بمرجعية حزب الله - هنيئا لنا انتصار المقاومة اللبنانية بزعامة السيد حسن نصرالله، وأملنا في أن تمتد انتصاراتنا إلى حيث عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد).
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2144 - السبت 19 يوليو 2008م الموافق 15 رجب 1429هـ