ليس من عادتي أن استثمر ردود وتعليقات القراء على مقالاتي لتدبيج المقالات، كما هو حال البعض من كتابنا الأفاضل حين لا يجدون ما يساعدهم على كتابة أعمدتهم فيلجأون لتعليقات القراء أو للمواقع الالكترونية. ولكن أثارني تعليقان منفصلان على مقالاتي بشأن الوضع اللبناني وانتصارات المقاومة اللبنانية وعمودها الفقري حزب الله. اقول: «أثارني»؛ ليس لأنه يتعارض مع رأيي وتوجهاتي، وإنما لخطورة وسذاجة المعنى الذي أراد كتابهما إيصاله.
ولذلك أقول للقراء الكرام إن المقاومة اللبنانية إسلامية ووطنية، وحزب الله بالذات ليس في حاجة إلى إشادة مني؛ لأن ضوء الشمس ورايات النصر والعزة والكرامة لا ينكرها أو يتجاهلها إلا حالم وواهم أو عميل منخرط في المشروع الأمروصهيوني في المنطقة، أيا كان حجم هذا الانخراط.
والحقيقة، إن تذكيري بانتصارات الجندي والمقاتل المصري في عبور قناة السويس مقابل الانتصارات التي حققتها المقاومة اللبنانية إسلامية ووطنية محاولة ساذجة لطأفنة معاركنا الوطنية والقومية. وليتذكر القراء الكرام أن أعداءنا وأعداء شعوبنا ومشروعنا الوطني والقومي والإسلامي لا يفرقون عند توجيه رصاصهم أو جبروتهم وطغيانهم بين هذا المذهب أو ذاك أو بين هذه الطائفة أو تلك. ولا يجوز عند الإشادة بما حققه تيار أو حزب أو مقاومة في صراعنا الطويل مع المشروع الأمروصهيوني أن نذكّر بعضنا بعضا بإنجاز هنا أو هناك، وكأننا نحاول عقد مقارنة في ظاهرها التذكير, وفي باطنها مشروعات طأفنة ومذهبة معاركنا القومية والوطنية من أجل الفتنة التي لعن الله سبحانه وتعالى من أثارها. وهنا أود التذكير بخطاب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عيد تحرير الأسرى يوم الأربعاء الماضي, حين ذكّر الجميع بأن جوهر القضية هي ثقافة المقاومة وممارستها أيا كان من يحمل الراية، ولم يفرق بين المناضلين والأسرى حتى الذين استشهدوا أو أسروا قبل أن يوجد أو يولد حزب الله, كالمناضل البطل سمير القنطار أو الشهيدة البطلة القائدة دلال المغربي.
وهو قد قدم دماء أبناء هذه الأرض الجنوبية الطاهرة من أجل حريتهم من دون الالتفات لا لمذاهبهم ولا لطوائفهم ولا لمرجعياتهم العقائدية والفكري، وذلك وسام آخر يوضع على صدر مقاتلي وجماهير المقاومة اللبنانية وعمودها الفقري حزب الله.
فمقياس النصر والهزيمة في أي صراع أو معركة أو مواجهة هو مدى قدرة أي طرف على تحقيق أهدافه الاستراتيجية. وهنا يجب أن أشير إلى أنني لست خبيرا عسكريا، ولكن العلوم الاستراتيجية الإدارية استمدت وتطورت على أساس العلوم العسكرية، بل إن مفردة استراتيجية استعيرت من مفردات هذه العلوم, وعلى هذا الأساس بنيت تحليلي.
لذلك، فإن قدرة المقاومة اللبنانية عموما وحزب الله خصوصا على فهم واستيعاب واقع ومعطيات الصراع وطبيعة البيئة المحيطة به وقدرته على تحليل مواطن القوة والضعف لدى عدوه, ميزة بارزة تحسب لهذه المقاومة ولقيادتها، لأن ذلك ما قادها إلى تبني خيارات استراتيجية أتاحت لها تحقيق انتصارات الأعوام 2000 و2006 والانتصار الأخير باسترجاع الأسرى وجثامين الشهداء.
الفرق أيها السادة هو قدرة هذه القيادة ليس في ما ذكرناه سابقا فقط، بل كذلك في قدرتها على استثمار بطولات وإنجازات مقاتليها على الأرض وتكبيدها لعدوها خسائر فادحة لا يستطيع تحملها؛ لأنها رفعت من حجم فاتورة حسابه لكل شبر يتقدم فيه من الأرض اللبنانية.
وليس هناك من ينكر بسالة وبطولة وتضحيات الشعب المصري وجنوده ومقاتليه، وليس هناك من يسطّح الأمور ويبسطها ليقارن بين جيش نظامي وبضعة آلاف من مقاتلي المقاومة بإمكانات بسيطة واستراتيجية تختلف جذريا عن استراتيجيات الحرب النظامية وتكتيكاتها. ولكن الفرق كان في مدى قدرة هذه القيادة أو تلك على استثمار قدراتها وبسالة مقاتليها، والتركيز على مواضع الضعف لدى عدوها. كما يعتمد هذا على مدى شفافية وصدق هذه القيادة سواء على مستوى التعامل مع مقاتليها وقيادتها الميدانية أو على مستوى جماهيرها.
وليعلم البعض أنه بينما القيادات العسكرية المصرية خلال حرب 73 التي نسقت مع الجانب السوري دخلت هذه الحرب من أجل استرداد وتحرير الأرض، بينما قيادتها أضمرت تحريك الملف من أجل التفاوض وهنا مكمن الخلل. ولقد كان بالإمكان - بحسب روايات بعض القادة العسكريين المصريين التي تم نشرها - القضاء على الثغرة التي أحدثتها سبع دبابات إسرائيلية بقيادة شارون لو كانت القيادة السياسية واثقة من قياداتها العسكرية، كما هو الحال في انتصار 2006 حين كان المخطّط العسكري الاستراتيجي الشهيد عماد مغنية (الحاج رضوان) يقود العمليات الميدانية ويملك حرية القرار، فحقق النصر تلو النصر واستثمر تضحيات وبطولات مقاتليه.
وياليت أن محاولات التشويه تصدر من بؤر الفتنة والطأفنة فقط, وإنما نراها واضحة في خطاب وأدبيات بعض كتاب التيار اللبرالي الجديد الذين كانوا يوما ما محسوبين على اليسار, وهم مخطئون حتى في استخدامهم للفكر اليساري وأدواته في تحليلهم وخطابهم هذا. ومع الأسف فهم يقفون مع الإدارات الأميركية والصهيونية والمشروع الأمروصهيوني سواء كان ذلك بشكل واع أم لا.
إذا، الفرق يكمن في نوعية القيادة ورؤيتها الاستراتيجية الواضحة وفهمها واستيعابها العميق لإمكاناتها ومواقع الضعف والقوة لدى عدوها والتصاقها بجماهيرها وشفافيتها وصدقها مع مقاتليها وجماهيرها وشفافيتها في التعامل معهم.
نعم، نحن أمام قيادة تاريخية صادقة وشفافة ومتواضعة وملتصقة بطموحات وآمال جماهيرها، وتتعامل مع المشروع الوطني والقومي بصدق ومن دون حساسية أو طأفنة أو مذهبة للصراع. وهي قيادة واعية تدرك أبعاد المشروع الأمروصهيوني وتؤسس لمشروع وطني قومي جامع. وتعي أنها جزء من حركة التحرر فتتعامل مع المناضلين الشرفاء وفق جوهر القضية بغض النظر عن مرجعياتهم الفكرية والإيديولوجية, والعقائدية.
فشكرا سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على الأمل الذي أعدته لنا, وشكرا لمقاتليك الأشاوس، ورحمة الله على شهدائك وعلى رأسهم الشهيد البطل القائد عماد مغنية (الحاج رضوان)، ولا يسعني وفرحة التتويج لانتصارات 2000 و2006 بانتصار تموز 2008 إلا أن أردد قول الشاعر:
أناديكم... أشد على أياديكم
وأبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول أفديكم...
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2144 - السبت 19 يوليو 2008م الموافق 15 رجب 1429هـ