من الطبيعي أن يعتقد البعض منّا أن منطقة الخليج من المناطق الأكثر جذبا لليد العاملة الأجنبية، ومن ثم أكثر المناطق استقطابا لليد العاملة المهاجرة، وبالتالي أعلى رقم من حيث التحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية.
ربما هذا الاعتقاد صحيح على المستوى النسبي، أي عندما نقارن عدد المهاجرين إلى منطقة الخليج بالنسبة إلى عدد السكان، إذ يعيش 6 من بين كل 10 مهاجرين في المنطقة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي. ويوجد في المملكة العربية السعودية وحدها 1 بين كل 3 من المهاجرين الذين يعيشون في المنطقة، هذا الأمر هو الذي دفع بعض بلدان الخليج إلى أن تتخذ لأسباب سياسية وأمنية قرارا بالحد من عدد العاملين من جنسية واحدة واستبدالهم بعمالة من دول أخرى، لكنها ليست دقيقة عندما تقرأ بشكل مطلق، إن كان على مستوى عدد المهاجرين أو قيمة الأموال التي يحولونها.
هذا ما أشارت إليه إحدى الدراسات الصادرة عن منظمة العمل العربية المعنونة بـ «الهجرة في المنطقة العربية منها واليها»، محذرة من أن «حجم الجنسيات السيرلانكية والفلبينية والهندية والباكستانية في تنام مستمر وأن حجم السكان الوافدين بلغ مستويات خطيرة بين مجموع السكان في دول مجلس التعاون... وإن السكان الوافدين يمثلون 72 في المئة من مجموع سكان قطر و80 في المئة من سكان الامارات و63 في المئة من سكان الكويت».
الأمر المهم في الموضوع هو أن هذه الظاهرة أصبحت اليوم ظاهرة عالمية، وهي آخذة في النمو في ظل تنامي مقومات اقتصاد العولمة، وفي إطار اتساع نطاق شموليته. فقد أبرزت بيانات تقرير جديد أصدره البنك الدولي تزايد الحجم والتأثير الإنمائي لتحويلات العمالة الأجنبية في الاقتصادات العالمية. وأظهر تقرير وزع بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي الثاني المعني بتحويلات المهاجرين الذي عُقد في قاعة بلدية العاصمة البريطانية (لندن)، «ارتفاع حجم تحويلات المغتربين من دول العالم من 257 مليار دولار في العام 2005 إلى 268 مليار دولار في العام 2006، في حين بلغ حجم تحويلات المغتربين من الدول النامية وحدها إلى أوطانهم 199 مليار دولار في العام 2006، مقابل 188 مليار دولار في العام 2005».
وقد جاء في دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية «ايفاد» والبنك الأميركي للتنمية أن حجم تحويلات المهاجرين خلال العام 2006 بلغ 301 مليار دولار. ووفقا للدراسة فإن آسيا هي أكبر مستفيد الآن من التحويلات وتأتي بعدها أميركا اللاتينية والكاريبي وشرق أوروبا وإفريقيا والشرق الادنى. وعلى مستوى الدول تعتبر الهند أكبر متلق للتحويلات إذ تصل إلى 5,24 مليارات دولار وتأتي بعدها المكسيك.
وبالنسبة إلى أميركا اللاتينية، وكما جاء في دراسة نشرها موقع وكالة الأنباء العالمية «انتر بريس سيرفس»، فقد بلغت تحويلات المهاجرين الكولومبيين، ومعظمهم من النساء، حوالي 4,5 مليارات دولار، ما يعادل 62 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة».
وعلى مستوى القارة الأميركية ككل، بلغت حصة أميركا اللاتينية من أموال مهاجريها في العام 2006 قرابة 62 مليار دولار، ومن المتوقع ان تواصل تلك الأموال في نموها إلى ما يربو على 100 مليار بحلول العام 2010. وتقدر حصة المكسيكيين فيها بحوالي 22 مليارا، وكما يبدو فقد تجاوزت تحويلات المكسيكيين قيمة الاستثمارات الأجنبية في بلادهم.
ووفقا لما يقوله موقع هيئة الإذاعة البريطانية تتزايد الأهمية التي تحتلها الأموال التي يرسلها المهاجرون، التي أصبحت تحتل «قسما متزايد الأهمية من مصادر التمويل الخارجي المتاحة لبلدان العالم النامي. وتمثل تحويلات المهاجرين ثاني أكبر مصدر للعملة الصعبة، بعد الاستثمارات الخاصة الأجنبية، في الدول النامية. وفي العام 2001، بلغ مجموع تحويلات المهاجرين إلى بلادهم الأصلية في العالم النامي 70,3 مليار دولار».
وترى بعض التقارير الدولية الأخرى أن «حجم الكتلة النقدية التي يرسلها المهاجرون إلى أوطانهم تضاعف منذ العام 2000، ليحصل المهاجرون بذلك على ثالث أكبر دخل عالمي بعد سلسلة متاجر وول مارت الأميركية وشركة إكسون موبيل النفطية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2142 - الخميس 17 يوليو 2008م الموافق 13 رجب 1429هـ