العدد 2142 - الخميس 17 يوليو 2008م الموافق 13 رجب 1429هـ

على الولايات المتحدة وسورية أن تتحادثا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أنقذت التسوية التي تم التوصل إليها أخيرا عن التشارك في السلطة في لبنان، أنقذت الدولة من المزيد من سفك الدماء، وسمحت للشعب اللبناني بالعودة إلى الوضع الطبيعي. إلا أن الأسباب المبطنة للنزاع مازالت قائمة، ومازال لبنان يشكل ساحة تمارس فيها قوى خارجية عداواتها. وما لم تتوصل سورية والولايات المتحدة إلى صفقة كبرى، سيستمر لبنان بدفع الثمن.

يجب أن يكون واضحا الآن حتى للمراقب العابر أن انسحاب سورية العسكري من لبنان لم يشكل نهاية التأثير السوري هناك. فإيران وسورية متحالفتان بهدف إحباط الأهداف الأميركية والإسرائيلية في المنطقة في أي وقت أو مكان تستطيعان فيه ذلك. وعلى رغم الميزات العسكرية الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة و»إسرائيل» على خصومها، أظهرت سورية وإيران مهارة مميزة في لعب دور المخرب من خلال وكلاء لهما مثل حزب الله وحماس والمجموعات القبلية العراقية والميليشيات الشيعية.

أظهرت إدارة الرئيس جورج بوش خلال معظم فترتها الرئاسية الثانية نفورا من المشاركة في حوار مطول وجاد مع سورية، مفضلة محاولات عزل قيادتها وتهميشها. وقام الرئيس السوري بشار الأسد بدوره باستعارة صفحات من دفاتر والده لإثبات أنه لا توجد حلول باقية للمشكلات الإقليمية من دون سورية. إلا أنه حتى المفاوضات التي توسطت فيها تركيا بين «إسرائيل» وسورية لم تغرِ الولايات المتحدة بعيدا عن سياستها بتجنب سورية دبلوماسيا، بينما تقوم بتوجيه الوخزات الكلامية إلى النظام كلما استطاعت ذلك.

كان الإسرائيليون أكثر براغماتية إلى درجة بعيدة في التعامل مع سورية مما كانت إدارة الرئيس بوش. فقد توصلت الحكومة الإسرائيلية الحالية وقيادتها العسكرية/ الأمنية إلى نتيجة أنهم «في حال أفضل مع شيطان يعرفونه مما هم مع شيطان لا يعرفونه». يساعد هذا التبرير المنطقي على تفسير سبب ذهاب «إسرائيل» إلى أبعد الحدود في صيف العام 2006 لتطمين سورية إلى أنها ليست هدف حربها مع حزب الله. ويساعد ذلك أيضا على تفسير انعدام أي تسريب إسرائيلي للمعلومات بعد قصف المفاعل الذري المفترض في سورية. في هذه الأثناء، وحتى بعد محاولة إدارة الرئيس بوش إعاقة المحادثات الإسرائيلية غير المباشرة مع سورية حول الجولان، استمرت «إسرائيل» في جهودها.

توصلت كل من سورية و «إسرائيل» أخيرا إلى نتيجة مفادها أن الإفصاح عن هذه المحادثات مفيد لكلا الطرفين. فهي في حالة «إسرائيل» تستطيع الضغط على الفلسطينيين من أجل الحصول على المزيد من التنازلات من خلال الاقتراح بأن لها خيارا آخر في صنع السلام. السبب الأكثر استراتيجية، طبعا، هو الأمل بإمكانية إبعاد سورية عن تحالفها القائم منذ ثلاثين سنة مع إيران التي تطمع في الحصول على سلاح نووي. ترغب سورية بدورها في ضمان وثاقة علاقتها وبأن تضع نفسها في موقف أفضل مع الإدارة الأميركية القادمة، بينما ينقضي الوقت بسرعة بالنسبة إلى الإدارة الحالية. إلا أن القيادتين تعلمان أنهما حتى لو اتفقتا على شروط السلام فإن دور حكومة الولايات المتحدة لا يمكن الاستغناء عنه في عملية التوصل إلى دعم المعاهدة وتطبيقها.

ويترك هذا كله لبنان معلقا في الهواء. فقد أثبت حزب الله أنه لا يوجد خليط من القوى الأخرى في لبنان يستطيع تحدي هيمنته العسكرية. لم يترك زعيم حزب الله السيدحسن نصرالله أي مجال للشك في أن مرجعه الروحي هو المرشد الأعلى في إيران، آية الله خامنئي. وفيما يتناقص تأثيرها على حزب الله، لم تعد سورية تستطيع أن تعد بنزع سلاح ميليشيا حزب الله في مضمون معاهدة سلام مع «إسرائيل» وعلاقة جديدة إيجابية مع الولايات المتحدة. إلا أنها تستطيع إغلاق خطوط إعادة إمداد حزب الله وتسليحه التي تمر عبر الأراضي السورية. تستطيع سورية حتى أن تكون أكثر ميكيافيللية وأن تعمل مع الولايات المتحدة وغيرها لتقوية العناصر الأكثر علمانية في المجتمع اللبناني في مضمون سلام شامل.

يهتم النظام السوري بالدرجة الأولى وقبل كل شيء ببقائه. إذا كانت عملية إنشاء علاقة جديدة مع الولايات المتحدة وتوقيع معاهدة سلام مع «إسرائيل» تعزز احتمالات بقاء هذا النظام فإنها ستتخذ ذلك المسار، حتى على حساب حزب الله وإيران. ولكن إذا لم تكن صفقة كهذه تلوح في الأفق فسوف تستمر سورية بلعب دور المخرب حسب أفضل قدراتها المحسوبة.

من الأهمية بمكان أن تعمل الإدارة الأميركية الجديدة مع «إسرائيل» وحلفائها العرب لإعداد استراتيجية تستطيع انتزاع سورية بعيدا عن إيران. رغم طول فترة تحالفهما ليس للنظامين، وأحدهما علماني والآخر ديني ثيوقراطي، أمور فلسفية كثيرة مشتركة باستثناء شعور كل منهما بعدم الأمن فيما يتعلق بـ «إسرائيل» والغرب.

لحسن الحظ أن سورية تبدو منفتحة لصفقة عظمى، بما في ذلك واحدة قد تنطوي على استقرار لبنان من دون تعريض سيادة ذلك البلد واستقلاله وسلامة أراضيه للخطر.

* سفير أميركي سابق لدى دولة الإمارات العربية المتحدة وسورية، وهو حاليا الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة Amideast وهو عضو في المجلس الاستشاري لمنطقة الشرق الأوسط التابع لـ Search for Common Ground، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2142 - الخميس 17 يوليو 2008م الموافق 13 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً