لا شك أن المخزون المعلوماتي والثقافي لهذه الأجيال هو أضعاف ما كان لدى الأجيال الماضية، غير أن ملكة التعبير باتت تضيق وتحشر وتقبع في حالة حرجة. إن انحسار الملكة اللغوية لدى هذا الجيل إلى حد العدم دلالة تعود إلى رواج ثقافة «الصورة» التي أمست سائدة.
الصورة هنا التي تعدل «النص» صارت أداة قمع الخيال لدى هذا الجيل إذ لم تعد تمنح هذا الجيل فرصة للتخيل، والتخيل الذي هي محرومة منه، هو ما يثير لدى الإنسان الرغبة في التعبير أولا، وامتلاك الملكة اللغوية ثانيا. لقد غدت الصورة تلعب هذا الدور ببساطة متناهية محتكرة دور اللغة ولمجالات عملها وحتى لمتعتها إن صح التعبير، وإلا فمَنْ مِنْ القراء اليوم يقرأ ليستمتع!.
كانت الصورةُ وسيلة الإيضاح التي ترفق بالنص لتساعد المتلقي على فهم للنص وتلقيه، كانت الطريق نحو استحصال المعرفة التي يحتفظ بها النص بقدسية، كانت تلعب دور المساند والمساعد للكلمة المكتوبة. تقدمت الصورة اليوم في تسارع رهيب لتأخذ مكان القداسة المعرفية للنص، وأضحى التعليق بكلمة أو كلمتين أمرا بالاستطاعة الاستغناء عنه، إن لم يكن من الأفضل فعل ذلك.
إن كانت الكلمة تتصف بالتعقيد، وتنحو نحو الاستخفاف بالقارئ وخداعه، فيستطيع القارئ اليوم استحصال المعلومة دون الحاجة للنص، هو يستطيع الرؤية والفهم كما يريد أن يفهم، لكنه رغم ذلك، لايزال يتعرض لذلك القدر من الخداع والتضليل، فالصورة أيضا تستطيع أن تخدع، ولربما كان خداعها أدهى مما قد تفعله الكلمة، فالإنسان بطبعه، قد يُكذب «الكلمة» لكنه مجبول على أن يتعاطف مع «الصورة» بالتصديق والتبني.
هكذا، إذا تغيرت حدود المعادلة، لكن المشكلة هي أننا بتنا لا نستطيع - حين أصبحنا نعتمد على الصورة ولا شيء غير الصورة - أن نعبر عن مقاومتنا للصورة المضللة لأننا ببساطة، أصبحنا أعداء للغة.
العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ