«نحن الأميركيين رسل العالم السريع، أعداء التقليد، أنبياء السوق الحرة، وقساوسة التكنولوجيا المتقدمة، ونريد توسيع قيمنا والـ «بيتزا هت» الخاصة بنا، نريد من العالم أن يتبع قيادتنا ويصبح ديمقراطيا، ورأسماليا، مع وجود موقع إنترنت في كل زاوية، وبيبسي كولا في كل شرفة، ومايكروسوفت ويندوز على كل كمبيوتر».
توماس فريدمان
خلاصة التاريخ أنه منافسة بين القوى المتناحرة، والسلطة في سيرته، كالطبيعة تنفر من الفراغ كما يقول ميشيل فوكو «الإمبراطورية تخاف من الفراغ وتحتقره»، لذلك فإن البديل بغياب القطبية هو فترة زمنية أبرز ما فيها دول آفلة وصاعدة. في صراع يغذيه التعصب الديني، والأوهام القومية. إذ تتراجع الحضارات الواثبة الى جيوب محصنة بالدين أو القومية.
هنا تبدو الولايات المتحدة أول إمبراطورية عالمية يكون احتمال خرابها «خرابا عالميا»، فالتقدم التكنولوجي أتاح لها أدوات صراع فتاكة، وحمى الحرب الباردة لم تنتهِ بعد. اللافت للانتباه، أن العدو الرئيسي «الإرهاب» عدو لا شكل له، ولا اسم، ولا تحكمه جغرافيا سياسية أو قواعد عسكرية، جنوده لا يلبسون الخوذات العسكرية، ولعلهم أول جنود في التاريخ لا يفقهون شيئا عن مفهوم الاستسلام حين يفقد الجندي الأمل في النصر.
هذه الامبراطورية المهووسة بالديمقراطية «المفصلة» على مقاساتها، أشبه ما تكون بتاجر شنطة «مسلح» يبيع بضائعه من ميناء لآخر قسرا على الناس الذين لا يملكون «الحق» في رد بضائعه عليه. ولأنه تاجر يؤمن بفلسفة «السوق» الذي لا جغرافية له او نظام، فهو دائما ما ينسى في الكثير من الأحايين كل شيء، حتى تجارته، ليتقمص العراب على الطريقة الهوليودية، فكم اميركيا بطلا صنعته هوليوود لمجرد أنه كان يتجول في أحراش المجتمعات الأخرى. هكذا، يصبح تاجر الشنطة رسول سلام أو حرب، لا يهم. المهم، أنه الرسول الأخير الذي لا يقهر ولا يُرد له قضاء أو رأي أو تجارة.
رسل الحرب في القرن الواحد والعشرين لا يملكون القدرة على إبطاء سرعة مكنة إنتاج «الشنط» التي على دول العالم أن تبتاعها، كلنا نشتري، فالذي يريد مقاومة الأميركي بوصفه تاجر شنطة لابد أن يقاومها وهي رسولة حرب لا تعرف الرحمة. لكنها بلا شك، رسولة رحيمة، فهي تعنون مبانيها ومؤسساتها الفيدرالية بمفردات «الحرية» و «الديمقراطية» و «إمضاءات الآباء المؤسسين». وهي قبل ذلك له، خُلاصة الحضارات وملتقى الأفكار الإنسانية على مدى التاريخ، والحرب في إحدى تجلياتها، ليست أكثر من صناعة أنتجها تتابع الحضارات، والإنسان نفسه. وعلى مبنى هذا الإطلاق الذي يؤمن به الاميركيون فقط، قد لا يكون تاجر الشنطة حين يحارب رسول حرب!.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2138 - الأحد 13 يوليو 2008م الموافق 09 رجب 1429هـ