العدد 2135 - الخميس 10 يوليو 2008م الموافق 06 رجب 1429هـ

دعم أميركي مطلق لعمليات الاستيطان اليهودي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

قتلت «إسرائيل» منذ مؤتمر أنابوليس إلى الآن ما يزيد على 500 فلسطيني، بينهم 170 طفلا، وهي لاتزال تمارس عمليات القتل والاغتيال والاعتقال والحصار للفلسطينيين من دون أن يرفَّ لما يسمى «العالم الحر» جفن، أو أن يدرج هذه المجازر وعمليات القتل على لائحة الإرهاب الدولي، بينما نجد أن هذه الدولة أو تلك تنبري لتوزيع صفات الإرهاب والقتل على حركات الانتفاضة وعلى المقاومة في لبنان، في سياق خطة تهدف إلى رفع الضغط عن الاحتلال ودفعه للاستمرار في عدوانه دونما رقيب أو حسيب.

وفي المقابل، وعندما ينطلق أيّ رد فعل عفوي من شعوبنا المضطهدة، والتي يفتك بها الاحتلال قتلا وتجويعا واعتقالا، كما جرى في القدس مؤخرا، تقوم الدنيا ولا تقعد، لأنّ الضحايا هنا هم من اليهود الذين ينبغي لأمم الأرض أن تتحسّس آلامهم وتراعي حالهم، وإن كان ذلك على حساب شعوب بعينها وأمم بما فيها.

وليس بعيدا من ذلك، فقد أحبطت الولايات المتحدة الأميركية صدور قرار عن مجلس الأمن مقدَّم من ليبيا باسم المجموعة العربية، يدعو العدو إلى وقف فوري وكامل لبناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، إذ اعتبر المندوب الأميركي أن القرار غير متوازن ومتحيّز لجانب على حساب الجانب الآخر، لأنه يريد من المجلس أن يندّد بالجانب الفلسطيني كما لو كان هو المسئول عن الاستيطان وجرف المزارع وحصار المواطنين الفلسطينيين، وفي ذلك دليل جديد على ما يحظى به الاستيطان اليهودي من دعم أميركي، لأن الخطة الأميركية ترتكز على استكمال «إسرائيل» استراتيجيتها في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وإسقاط مقولة الدولة المستقلة من الوجدان الفلسطيني، وكذلك من الالتزامات العالمية، بما فيها التزامات اللجنة الرباعية الدولية التي لا تحرّك ساكنا لمنع مصادرة الأرض والإنسان.

أمّا الدول العربية التي تحتضنها الجامعة العربية، فهي ترضخ للتعليمات الأميركية التي تريد منها المشاركة في حصار الشعب الفلسطيني واضطهاده،

والضغط عليه اقتصاديا، في الوقت الذي تنعم ببحبوحة اقتصادية نفطية، لأنه يراد للنفط أن يكون سلاحا ضد القضايا العربية وليس لحسابها.

حرب تهويلية نفسية ضد إيران

وإلى جانب ذلك، تتصاعد الهجمة الأميركيَّة ضدَّ إيران، تارة من خلال رصد الكونغرس الأميركي لمئات الملايين من الدولارات بهدف زعزعة استقرارها الداخلي، حيث لا تتوانى الإدارة الأميركية عن دعم المنظمات التي صنَّفتها سابقا إرهابية، كمنظمة «مجاهدي خلق»، في سبيل التأثير على الأوضاع الداخلية في إيران، إلى جانب عمليات التجسس عليها (على إيران) من الداخل والخارج... وطورا من خلال التهديدات التي يطلقها هذا المسئول الأميركي أو ذاك، وآخرها ما صرّح به رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة، والذي أكَّد أن الخيار العسكري ضدّ إيران يظل مطروحا... وكل ذلك يأتي في سياق حرب تهويلية نفسية على إيران بهدف الضغط عليها لجعلها ترضخ للشروط الأميركية، والتي انضم إلى تأييدها الاتحاد الأوروبي، لدفعها إلى الخروج من دائرة تطوير إمكاناتها الذاتية وطموحاتها العلمية، لتكون دولة متهالكة علميا واقتصاديا وتكنولوجيا، وتعود إلى نادي دول العالم الثالث سالمة قانعة.

إنّنا في الوقت الّذي نعرف أهداف هذه الحرب النفسية الاستعراضية، نحذِّر الدول الأوروبية، وحتى بعض الدول العربية التي قد ترتاح للحملة على إيران، من إشعار أميركا و «إسرائيل» بأنّ ضرب إيران ليس محفوفا بالأخطار الكبيرة عليهما، لأن ذلك يمثّل الخطر الأكبر على المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي الذي يتحدث الكثيرون عن أنه قد يطلّ على مرحلة انهيار حقيقي. وعلى الجميع أيضا أن يعرفوا أن الهجمة على إيران تمثل استهدافا للعالم الإسلامي كلّه، ولحركات الممانعة والمقاومة فيه، ولذلك ينبغي على هؤلاء جميعا أن يدركوا حجم المغامرة التي يحاولون الإيحاء بأن الطريق إليها سهل وميسَّر.

سجلّ انتصارات جديد

أما في لبنان، فإن الانتصار الجديد الذي استطاعت المقاومة أن تفرضه على العدو بالنزول عند شروطها في مسألة التبادل، من خلال تخطيطها الدقيق وحركتها الواعية، والذي اعترف به العدوّ من خلال إقراره بالذل اللاحق به نتيجة ذلك... إن ذلك يُحتِّم على الجميع في لبنان أن يخرجوا من حساباتهم الذاتية الضيقة، ليتعاملوا مع هذه المقاومة التي تشرّف العرب والمسلمين كعنصر فرادة وتميّز في لبنان، وكمصدر حماية للواقع الداخلي من غدر العدو، لينطلق الحوار اللبناني القادم حول هذه المسألة من خلال التعامل مع هذه الحقائق بروحية وطنية عالية، وبمسئولية سياسية كبيرة.

وإنّنا في الوقت الذي نهنئ الشعب اللبناني على هذا الإنجاز التاريخي الذي يضاف إلى إنجازات هذه المقاومة الشريفة المبدعة، نشعر بكثير من الارتياح حيال المواقف المتعدّدة المتنوّعة التي أكَّدت أهمية ما أنجزته المقاومة من خلال هذه الخطوة، ونريد لحال شبه الإجماع التي حصلت حولها، أن تؤسس لموقف وطني شامل يكون المدخل لحل الأمور العالقة داخليا، وخصوصا لجهة تأليف الحكومة، حيث ضاق الشعب اللبناني ذرعا بما يجري من خلال تفاقم مشكلاته الاقتصادية والسياسية والأمنية المتراكمة.

إنّنا نريد للجميع أن يخرجوا من اللّغة السياسية المتداولة في كل هذه الحساسيات الملتهبة، وفي كلِّ الإشكالات الشعبية والأوضاع المتنقلة بين منطقة وأخرى، فقد آن الأوان لنخرج من مذهبياتنا وطائفياتنا، وتعقيداتنا الحزبية والذاتية والمناطقية، إلى الفضاء اللبناني الرحب؛ فضاء العزّة والكرامة والحرية التي تصنعها المقاومة، وتصونها الوحدة الداخلية الشاملة.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2135 - الخميس 10 يوليو 2008م الموافق 06 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً