العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

إيران وسيناريو استبعاد الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فجأةً عادت لغة التهديد بالحرب المفتوحة إلى واجهة السياسة في منطقة الخليج. وكانت تلك اللغة قد تراجعت نسبياً في الشهور الأخيرة وظهرت مكانها سياسة التهدئة والتفاوض واللقاءات «الفنية» و«التقنية» و«الحوافز».

خطاب الحرب الذي احتل شاشات السياسة يمكن وضعه بين احتمالين: الهدوء الذي يسبق العاصفة أم العاصفة التي تسبق الهدوء؟ وحين تكون السياسة بين احتمالين تصبح واقعة في منطقة رمادية غير واضحة المعالم. وسياسة السير بين نقاط ساخنة ونقاط باردة خطيرة جداً؛ لأنها تقع على حد السيف ويمكن أن تكون العاصفة بداية حل ويمكن أن يكون الهدوء خطوة باتجاه العاصفة.

الكلام العنيف عن الحرق يحتمل أن يكون تغطية لفظية لاتفاق يتم إعداده وراء الكواليس. والكلام الهادئ عن تسوية إقليمية يحتمل أن يكون تغطية لتحضيرات ميدانية جارية على الأرض تمهيداً للحرب. وعودة سيناريو الحرب إلى احتلال صدارة الصحافة ومحطات التلفزة والفضائيات بعد فترة شهدت المنطقة اتصالات وعروضاً ولقاءات تتوجت بحزمة من الحوافز قدمتها الدول الأوروبية بالتفاهم مع أميركا وروسيا والصين إلى طهران يكشف من بعيد عن وجود تعارضات تحتاج إلى مزيد من الجهد لاحتواء عناصرها الصلبة.

حتى الآن يبدو اللون الرمادي هو المسيطر بعد أن ظهرت فجأة اعتراضات إيرانية على رزمة الحوافز الدولية بشأن البرنامج النووي. وجاءت الاعتراضات بعد كلام إيراني عن نوع من الموافقة الضمنية على الحوافز تمثل في توجيه رسالة وصفت بالإيجابية إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. وما زاد المشهد الرمادي غموضاً وصف سولانا للرسالة الإيرانية بالمعقدة والصعبة وبأنها بحاجة إلى تحليل لتوضيح زواياها.

غموض الرسالة الإيرانية دفع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى وصف الرد بأنه مخيب للأمل، ولكنه طلب فرصة من الوقت لتوضيح ملابسات يمكن أن يحصل عليها في الاجتماع المتوقع عقده في نهاية الشهر الجاري مع وفد إيراني مكلف بمتابعة الملف النووي.

بانتظار أن تتبلور حقيقة الرد الإيراني وتوضيح جوانب الصورة ستشهد المنطقة حفلات من التصعيد الكلامي الإعلامي يجرى ترسيم خطوطها في تصريحات ومناورات وتسريبات صحافية ملغومة بالأخطاء والمعلومات التي تحتاج إلى أدلة لتأكيد صحتها.

هناك إذاً حرب أعصاب وهي تراهن على مجموعة احتمالات يمكن اعتمادها لاتخاذ القرار النهائي بشأن ملفات خطيرة ستقرر مصير المنطقة خلال العقود المقبلة. السؤال على ماذا تراهن إيران في سياسة تعديل التوازن الدولي - الإقليمي في منطقة «الشرق الأوسط»؟

اللون الرمادي يمنع تقديم جواب واضح عن المسألة باعتبار أن طهران تراهن على ضعف الولايات المتحدة وعجز واشنطن عن خوض حرب ثالثة في وقت تبدو غير قادرة على التخلص من وحول ومستنقعات وجبال ورمال العراق وأفغانستان.

فرضية الضعف الأميركي تشكل زاوية أساسية في تشكيل السياسة الإيرانية في المنطقة. وهذه الفرضية تضخمت إلى درجة عالية وصلت إلى حد أنها تحولت إلى قناعة راسخة في تفكير محمود أحمدي نجاد. فالرئيس الإيراني كرر مراراً تأكيده أن أميركا غير قادرة على خوض حرب جديدة وأنه متأكد 100 في المئة أن الولايات المتحدة تهدد بالحرب على إيران للضغط عليها نفسياً وتخويفها حتى تقدم تنازلات مجانية بشأن الملف النووي وموضوع تخصيب اليورانيوم.

النظرية والمثال

الضعف الأميركي يشكل نقطة انطلاق في تفكير أحمدي نجاد. وحين يتحول الضعف إلى قناعة نظرية راسخة وغير قابلة للنقاش أو التحليل يساهم في تأكيد فرضية غير علمية وعملية ويمكن أن تكون وهمية وتحتاج إلى عناصر واقعية لإثباتها.

مقابل هذه الفرضية النظرية هناك قناعة ميدانية مقابلة أخذت تترسخ ذهنياً بناءً على إخفاق العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006. فالنموذج اللبناني تحول إلى مثال حي يؤكد صحة الفرضية النظرية. وعلى أساس القياس اللبناني الذي تمظهر في السنتين الأخيرتين تتم المقارنة لتأكيد الفرضية نظرياً وميدانياً. نظرياً لا مجال لوقوع حرب أميركية - إسرائيلية على إيران، وميدانياً إذا وقعت تلك الحرب النفسية الموهومة فإن إيران ستهزم الولايات المتحدة كما هزم لبنان «إسرائيل» في صيف 2006.

هذا الكلام ذكره مستشار الرئيس الإيراني مجتبى رحمن دوست حين أشار إلى فرضية الحرب واصفاً إياها بأنها «وهم وضرب من الخيال» لافتاً نظر القوى التي تهدد إيران إلى ما أصابها حين «هزموا في الحرب على لبنان».

المراهنة الإيرانية إذاً تقوم على وجهين: الأول نظري (ضعف أميركا). والثاني عملي (هزيمة العدوان على لبنان). وبناءً على النقطتين يمكن استجماع الجواب عن سؤال يتصل بعناصر قوة التصلب الإيراني ورفض طهران التجاوب مع حزمة «الحوافز» التي تقدمت بها الدول الكبرى.

فرضية الضعف الأميركي أصبحت شبه راسخة وتشكل قناعة لا تحتمل التحليل والنقاش في ذهنية الرئيس الإيراني كذلك النموذج العملي الذي ظهر في صيف 2006. وعلى أساس النظرية والتطبيق تم دمج الفرضيتين في سياق سيناريو يتجه نحو استبعاد الحرب وعدم التفريط بحقوق إيران بشأن الملف النووي.

المسألة إذاً لا تحتمل قراءة ثانية لكون القناعة النظرية توصلت إلى إثبات ميداني لصحتها جرت وقائعه خلال العدوان على لبنان. والبرهان (النموذج اللبناني) جاء ليؤكد فعلياً ما توصلت إليه فرضية ضعف أميركا وعدم وجود حرب.

إلا أن مقارنة التجربة اللبنانية في العام 2006 باحتمال حصول تجربة مشابهة مع إيران تبدو غير دقيقة باعتبار أن الحرب على لبنان تختلف في شروطها الموضوعية والذاتية عن تلك الفرضية المحتملة ضد إيران. فالمقارنة غير صحيحة؛ لأن العدوان على لبنان حصل ضد حزب وجرف في طريقه الدولة، بينما الهجوم النظري على إيران سيحصل على الدولة مباشرة. وبالتالي إن حسابات الحرب على حزب مقاوم يتحرك في ساحة دولة تختلف عن حسابات عدوان يمكن أن يحصل ضد دولة تشرف على مصادر الإنتاج والطاقة وتعتمد هيكلة تنظيمية وشبكة من العلاقات والأبنية الفوقية والتحتية.

المقارنة بين عدوان 2006 وفشله في تحقيق أغراضه وبين احتمال الهجوم على إيران وفشله تحتاج إلى إعادة قراءة حتى تكون جوانب الصورة متطابقة بين الفرضية النظرية (الضعف الأميركي) والمثال العملي (هزيمة العدوان). فالمثال اللبناني لا يقدم ذاك النموذج الذي يمكن الاعتماد عليه للدلالة على جواز المقارنة. فالمقارنة حتى تكون صحيحة لابد أن تكون الأمثلة متشابهة ومن نوع واحد وإلا فستصبح المقاربة بعيدة واقعياً لتحقيق تلك المطابقة بين النظرية العامة والمثال العملي. وهذا الاختلاف بين منطق الدولة ومنطق المقاومة الذي ظهر في الميدان خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان لا وجود له في إيران لكون الدولة في طهران تجمع كل عناصر القوة تحت مظلتها.

خطاب الحرق والتدمير والتقويض يحتاج إلى رؤية استراتيجية تتجاوز لغة التوتر والقلق. وإعادة القراءة مسألة مهمة؛ لأنها من جانب تفتح الفرضية (ضعف أميركا) على احتمالات أخرى، ومن جانب آخر تعدل زوايا الصورة وخصوصاً في مجال النموذج العملي وتحديداً في ما يتعلق بتلك المقارنة بين إيران وسيناريو ما حصل في لبنان في صيف 2006. فالفرضية مهما كانت صحيحة فإنها تحتمل الخطأ والنموذج مهما كان دقيقاً فإنه يحتمل التصحيح.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً