العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

متـى نـرتـاح من هَــم الــدَين؟

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل الخلل فينا أم في طريقة معيشتنا الاستهلاكية؟ أم في عدم الحفاظ على المال وصرفه في الكماليات؟ أم الخلل كامن في حكومتنا لصرفنا بهَم الدَين حتى لا نطالبها بحقوقنا؟ أم هو ذلك كله!

وجدنا من خلال احتكاكنا المباشر مع الناس أنّ أكثر الهموم التي تجوب خاطرهم هي هَم الدين؛ وإن تعددت مقاصدهم في تراكم الديون، فهناك من يستدين ليدفع فاتورة الكهرباء وهناك من يستدين ليشتري سيارة، وآخر يقصد البنك ليشتري منزلاً له، وأخٌ يستدين ليتزوج، وهناك من يستدين ليسافر، وآخرون يستدينون لشراء بعض اللوازم المهمة في حياتهم، ظناً منهم بعدم الاستغناء عنها... الخ.

ومن هذا المنطلق دخلنا عدة مصارف وجلسنا على أحد الكراسي الموجودة فيها، وقمنا بملاحظة الناس الموجودين في تلك البنوك، وتحدثنا مع بعض الإخوة والأخوات عن سبب مجيئهم إلى هذه البنوك في محادثات ودية، وإننا لا نبالغ في هذا المقام إذا قلنا إن أكثر البحرينيين يعيشون على جدولة الديون، أو ما نسمّيه تراكم الديون، وقدومهم إلى البنك في أكثر الأحيان يكون للجدولة أو تجديد قرض أو طلب قرض!

ويؤثر تراكم الديون على الفرد في حياته الاجتماعية والاقتصادية، فنجد كثرة الخلافات الأسرية لعدم توافر المال الذي يسد الاحتياجات الرئيسية وغير الرئيسية، وأيضاً نجد أن غالبية الآباء يبتعدون عن الأسرة حتى لا تطالبهم بالاحتياجات فيغدون أسرى لمقاهي الشيشة الشعبية، التي تؤجل المدفوعات لآخر الشهر!

كل هذه الديون تتراكم يوماً بعد يوم وترهق صاحبها، بحيث يستطعم مرارة الدنيا وقسوتها عليه، وتبعث فيه الكثير من المشاعر السلبية والسيئة التي تؤثر على حياته الاجتماعية مع أهله وصحبه، والتي في أحيان كثيرة تجعله أسيراً للأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب.

وفي بعض الأحيان أيضاً يزيد تراكم الديون من الفجوات بين الزوج وزوجته أو الزوج وأبنائه، لأنه يسقط همومه في استعجاله باتخاذ قرار الزواج وإنشاء أسرة... ومن هنا تنبثق حالات الطلاق والهجر الزواجي والتصدع الأسري.

وفي هذه الأيام نجد هناك بعض الديون المغلّفة بمسميّات جميلة، ألا وهي «الفيزا كارد»! التي تجعل المواطن يعيش في أحلام السفر والسيارة والكماليات، وفجأة يفتح عينية على هَمٌّ جديد في بحر الدين.

وبعد أن لاحظت الحكومة الأزمة التي يعيشها المواطن من تراكم الديون، عمدت - وهي مشكورة على ذلك - إلى خفض الطلب على طلبات القروض وجدولتها أو تجديدها، ووقف الكثيرون عن إدمانهم في الجدولة وزيادة الديون؛ من خلال الشروط والضوابط التي وضعها البنك المركزي للحد من تفاقم المشكلة، حيث استخدم ما يسمى بنظام «البنفت»، الذي يبين للبنك كل التفاصيل المالية المرتبطة بالمواطن، حتى لا يصعب عليه الدفع مستقبلاً، أو معرفة المشكلات المالية المتعلّقة به، كما اشترط البنك عدم تجاوز تسديد القرض عن نصف الراتب، ليستطيع أن يتحمل أعباء الشهر بالنصف الآخر من الراتب.

ولكن كل هذا لا يكفي لاحتواء مشكلة تراكم الديون، فالكل يحاول أن يسدد الدين بطريقة مختلفة، مثل الحصول على سجل باسم الأم أو الزوجة أو الابن، وذلك لزيادة الدخل وتسديد جزء من الديون، أو إيجاد عمل ثانٍ بعد العمل الرسمي الذي يقوم به، والذي يؤدي إلى تصدع الأسرة بسبب عدم وجود الفرد داخل المنزل بعد العمل الرسمي.

من الضروريات التي يجب أن تقوم بها الحكومة في الحد من تراكم الديون التي أتعبتنا، زيادة الشروط على المواطنين في عمليات القروض والديون، وتوجيه مركز البحرين للدراسات والبحوث الاستراتيجية للقيام بالدراسات المطلوبة ووضع الخطط على مدى العشر سنوات المقبلة، لتخليص الشعب من همّ الديون التي قضّت مضجعه، وجعلته في دوامة التسديد يوماً بعد يوم، بحيث أنه مشغول بها أكثر من تربية الأبناء أنفسهم!

ويبقى السؤال مفتوحاً لحكومتنا الرشيدة: متى نرتاح من هَم الدَين؟

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً