في المقال السابق استعرضنا مراحل وطبيعة تكون بعض المحطات الرئيسية في مجال البحث والتشكيل لأدوار واستحقاقات المرأة، نحو تأطير دورها واستحقاقاتها كمواطن إنسان... ومنها مرحلة دولة الرفاه 1950 - 1989م، ومرحلة نهج المرأة في التنمية WID (1970-1985م)، ومرحلة سياسة التمكين/ المرأة والتنمية WAD في الفترة (1985 - 1990م).
واليوم نستكمل المحطة الرابعة والمعاصرة التي اشتهرت بمرحلة إدماج منظور النوع الاجتماعي في السياسات والتدابير.
(1990 -2008م) النوع الاجتماعي والتنمية GAD
هذه مرحلة حديثة تعبر عن التحول من سياسة المرأة في التنمية إلى سياسة النوع الاجتماعي والتنمية أو سياسة إدماج المرأة في التنمية.
فقد كان لتطبيق الاستراتيجيات السابقة، الكثير من الثغرات والفجوات، حيث لم تضع هذه السياسات العنصر البشري في حسبانها كعنصر أساسي في عملية التنمية ما انعكس سلبا علي تمكين المرأة ومشاركتها، إلا أن التحولات العالمية في النظر إلى عملية التنمية، أدت إلى اعتبارالعنصر البشري هو الهدف والغاية من عملية التنمية. وقد أحدث ذلك التصور تحولات أساسية اتصفت بالتحول من سياسة «المرأة في التنمية WID» إلى سياسة «النوع الاجتماعي والتنمية GAD» وتأتي هذه السياسة كرد فعل على تهميش القطاع النسائي وإلى إدماج الوعي بقضايا النوع الاجتماعي في التيار العام للتنمية.
ويعكس هذا المفهوم الحديث سياسة إنفاذ اتفاقية (السيداو). إذ إن موضوع الجندر يقوم على أن عملية التنمية هي عملية مجتمعية تتأثر بكل مكونات المجتمع سلبا أو إيجابا وبهذا تتجاوز مفهوم المساواة بين المرأة والرجل لتتشابك مع الأدوار الخاصة بالنوع الاجتماعي ككل.
ولقد واكب بروز مفهوم النوع الاجتماعي لغة خاصة به، خلقت الكثير من الإشكاليات في ترجمتها والاتفاق عليها مثل (الجندر أو النوع الاجتماعي Gender - جندر بلنس Gender balance - إدماج النوع الاجتماعي - النوع الاجتماعي والتنمية Gender in development - جندر باجيت/ الموازنات من منظور النوع الاجتماعي Gender budget - مأسسة النوع الاجتماعي... الخ) من هذه المفاهيم المتقاطعة مع بعضها بعضاً والتي يهدف منها وصول كل من المرأة والرجل إلى الموارد وامتلاكها في تقاطعات عملية التنمية الكلية مع مراعاة الأوضاع الخاصة بالنساء والرجال إذا تطلب الأمر ذلك. بمعنى آخر، أن النوع الاجتماعي والتنمية، هو مفهوم يهدف إلى مأسسة قضية المرأة من خلال فهم الأدوار الحقيقة للرجل والمرأة العملية والاستراتيجية.
وعليه فقبل الحديث عن النوع الاجتماعي والتنمية، من المهم جدا تحديد مفهوم النوع الاجتماعي واختلافه عن مفهوم الجنس.
الجنس:
اصطلح على تعريف مصطلح الجنس للتفريق بين المرأة والرجل، من دون تحديد نوع الفروقات، فكان التعريف يشمل الفروقات البيولوجية والاجتماعية والثقافية.
إلا أن مصطلح الجنس في الوقت الجاري، يدل فقط بحسب مفهوم النوع الاجتماعي على الخصائص البيولوجية المتعلقة بعملية التكاثر والاختلافات الناتجة عنها بين المرأة والرجل والبنت والولد. ولا يتعلق بوصف الأدوار الاجتماعية للجنسين.
النوع الاجتماعي/ أو الجندر:
مصطلح النوع الاجتماعي لا يشير إلى النساء والرجال بل إلى العلاقات بينهما وطرق تكون هذه العلاقات. وأن هذه العلاقات تتشكل وتنبع من داخل المجتمع، وتتسم بعلاقتها بالمتغيرات التي يمر بها المجتمع، وبذلك تفقد صفة الثبات وتميل للتحول، سواء أكانت تلك المتغيرات، متغيرات اقتصادية أو سياسية. ناهيك عن إمكان العمل على تغيرها.
وعلاقات النوع الاجتماعي تجد التعبير عن نفسها ضمن مؤسسات المجتمع وتتقاطع وتتداخل مع غيرها من العلاقات الاجتماعية مثل الطبقة والعرق والجنس والدين والقدرة الجسدية والعقلية، ما يجعل عملية تغيرها من الأمور الصعبة لمقاومتها لهذا التغير.
ويهدف النوع الاجتماعي كما شرحنا سابقا إلى إدماج النوع الاجتماعي في التنمية تحقيقا لأهداف اتفاقية السيداو، ولكن ضمن الأنساق الاجتماعية لكل مجتمع على حدة. إذ يجب أن تكون عملية إدماج المرأة نابعة من الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لهذه المجتمعات وليس بالقفز عليها أو تجاهلها.
كما أن نجاح هذا المفهوم يقوم على مأسسة النوع الاجتماعي وإدامته، ويقصد بذلك أن يكون هذا المفهوم ضمن استراتيجية جميع القطاعات العامة والخاصة وجميع المنظمات، وليس كقطاع منفرد تفرد له موازنة خاصة فيكون معزولا عن حركة التنمية الشاملة. ولعل مأسسة النوع الاجتماعي هو أهم التحديات التي تواجه تطبيق هذا المفهوم. كماتمثل ادوار النوع الاجتماعي وحاجاته تحديا آخر أمام عملية التنمية. إذ إن الأدوار التقليدية للنوع الاجتماعي (الإنجابي/ الإنتاجي/ الاجتماعي/ السياسي) تعبر عن تقسيم العمل السائد، والحاجات الفعلية للنوع الاجتماعي المتمثلة في تلبية الحاجات الضرورية للمعيشة. إلا أن مفهوم النوع الاجتماعي للتنمية يطمح لأدوار وحاجات استراتيجية تمثل تحديا للعلاقات المرتبطة بالنوع الاجتماعي. أي إحداث تغيرات جوهرية في الأدوار التقليدية وأنماط العلاقات السائدة بين الرجل والمرأة.
فبالنسبة إلى المرأة يجب أن تضمن هذه التغيرات رفع وعي المرأة بمكانتها في علاقتها بالرجل وأهمية تحديها للأنماط التقليدية التي تضعها في مكانة أدنى منه. وبالتالي حصولها على فرص متساوية لفرص الرجل في جميع مستويات عملية التنمية. وينطبق ذلك على الرجل من حيث تغير الأدوار، أي قيام الرجل بأدوار كان يرفضها ويحتقرها، كتربية الأطفال، أو العناية بالمنزل، أي الأدوار التي كانت لصيقة بالمرأة ويستثنى منها الرجل.
إن تغير الأدوار والحاجات يهدف إلى زرع وعي لدى الرجل وليس المرأة فقط، بأهمية دور المرأة كشريك مساو له في الحقوق والواجبات.
إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ