العدد 2131 - الأحد 06 يوليو 2008م الموافق 02 رجب 1429هـ

جامعاتنا الخاصة وفقدان البوصلة

عبدعلي محمد حسن comments [at] alwasatnews.com

«سبع صنايع والبخت ضايع» مثل تقليدي قديم متعارف عليه بمنطقة الخليج، وهو يضرب لمن تعددت مهاراته وتعليمه ولكنه لم يحظ بوظيفة لائقة أو مهنة تلبي احتياجاته. أما في وقتنا الحاضر فصاحب السبع صنايع يعتبر علميا متشعبا ومتشتتا، وأصبحنا اليوم نعيش في عالم التخصص في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

في أوروبا وأميركا نرى أن هناك كثيرا من الجامعات ولكنها جامعات متخصصة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، في بريطانيا إذا أردت أن تدرس في مجال الاقتصاد فستنصح بالالتحاق بجامعات معينة، ولا نرى الجامعات التي تتخصص في الهندسة تهتم كثيرا أو تقدم المؤهلات الأكاديمية التجارية. فأصبحت الجامعات معروفة بنقاط القوة لديها وبالتخصصات المتميزة التي تقدمها. وبعد مضي مئات السنين على الحضارة العلمية في انجلترا لا توجد إلى اليوم جامعة واحدة تصنف بأنها قوية ومتميزة في جميع التخصصات التي تقدمها.

وكذلك هو الحال في الجامعات بمنطقة الخليج والوطن العربي، فعندما يرغب الإنسان في الالتحاق بتخصص معين ينصح بالالتحاق بإحدى الجامعات لتميزها في هذا التخصص. ولكن عندما يأتي الحديث عن الجامعات الأهلية/ الخاصة بمملكة البحرين. فكيف ينصح من يرغب في الدراسة؟ هل من تصنيف لجامعاتنا الأهلية؟ أنستطيع أن نرى ان أيا من جامعاتنا متميزة في أحد التخصصات أو بعضها. جامعاتنا تقدم جميع التخصصات وتزعم أنها متخصصة ومتميزة في جميع ما تقدمه من برامج تعليمية وتخصصات أكاديمية. وهذا أمر يحتاج للوقوف عنده لتقديم النصح والإرشاد للجامعات والملتحقين بها. أصبحت لدى بعض الجامعات روضة ومدرسة (ابتدائي - ثانوي)، أي بمعنى آخر من الممكن اليوم في البحرين أن ترسل ابنك أو ابنتك لإحدى الجامعات ليبدأ في الروضة وينتهي بشهادة الدكتوراه في الجامعة نفسها.

تفاءلنا خيرا بصدور قانون التعليم العالي الذي شبهت ولادته لدى البعض بقانون طوارئ لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الجامعات الأهلية. وتأسس على هذا الأساس مجلس التعليم العالي الذي خطا خطوات إيجابية تحسب في خانة انجازاته. وشرع هذا المجلس في مراقبة أداء الجامعات الأهلية، وحثها على التطوير وترتيب بيتها الداخلي وهذه إحدى الإيجابيات التي نتمنى لها النجاح.

وعلى جانب آخر من المعادلة توجد معاهد التدريب المهني والاحترافي بمملكة البحرين التي يزيد عددها على المئة مركز ومعهد، وتتبع وزارة العمل، وتصدق برامجها واعتماد مدربيها بحسب معايير إدارة شئون معاهد التدريب بوزارة العمل، وتخضع لآلية التقييم المستمر من قبل الوزارة للتأكد من أداء دورها بالشكل المطلوب. وترفض وزارة العمل أن ترخص للمعاهد أي برنامج أكاديمي (دبلوم يكالوريوس... الخ)، وترجع المعاهد لمجلس التعليم العالي تطبيقا للقانون ومبدأ الاختصاص.

وقد لاحظنا أن الجامعات الخاصة بمملكة البحرين تقوم بتنفيذ البرامج والورش التدريبية القصيرة وبذلك تكون هذه الجامعات دخلت في مجال تخصص المعاهد التدريبية، وبعد استقصاء الأمر اكتشفنا ان هناك قرارا رقم (44) صدر بجلسة بتاريخ 15 يوليو/ تموز2007 يسمح بتنفيذ هذا النوع من البرامج التدريبية القصيرة على أن تقوم الجامعات بترخيص برامجها القصيرة حسب قانون التدريب المتعارف عليه بالمملكة لدى وزارة العمل، وفي هذا الشأن نرى الحاجة لتوضيح النقاط الآتية:

1. مخالفة قانون التعليم العالي: ألا يتنافى هذا مع المادة الأولى من قانون التعليم العالي الذي يعرف برنامج التعليم العالي (الذي تقدمه الجامعات) بأنه «لا تقل مدته عن سنة دراسية كاملة»، فكيف يسمح للجامعات بتقديم برامج تقل مدتها عن سنة دراسية؟ وقد قمنا بمخاطبة مجلس التعليم العالي في فبراير/ شباط من هذا العام ولم نتسلم الرد على هذا السؤال. فعسى أن يكون المانع خيرا. وفي السياق ذاته نرى ضرورة تدارس موضوع السماح للجامعات الخاصة بتقديم هذه البرامج القصيرة في لجنة خاصة، اذ إن هناك ثلاثة أعضاء بمجلس التعليم العالي من أصحاب الجامعات الخاصة، وتماشيا مع مبدأ الشفافية الذي أرساه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك نرتئي أن يتم تشكيل لجنة محايدة للبت في هذا الموضوع.

2. الجامعات وخدمة - المجتمع: حاورت أحد رؤساء الجامعات الخاصة فقال لي ان تقديم البرامج التدريبية القصيرة يندرج تحت بند «خدمة المجتمع» الذي تختص الجامعات حول العالم بتقديمه خدمة لبلدانها. وليسمح لي أن أوضح أن الجامعات تنشئ مراكز خدمة مجتمع لا تهدف إلى الربح. في دول العالم قاطبة تهتم الجامعات بجانب البحث العلمي عن طريق تمويل بواسطة الجامعة أو عن طريق مؤسسات وطنية وشركات تجارية تؤمن بقدرات هذه الجامعات وخريجيها فتمول مشاريع البحث العلمي، وتكون هذه هي المساهمة التي تقدمها الجامعة لخدمة المجتمع في مجال البحث العلمي الذي نفتقده في مملكتنا.

أجد صعوبة في فهم هذا المبدأ، هل تقديم برامج تدريبية قصيرة تهتم بتطوير مهارات أساسية تقدم خدمة للمجتمع؟ وإذا كانت خدمة فلماذا لا تقدم بالمجان؟ وأرى أن الجامعات تربح من وراء تنفيذ هذه المشاريع مباشرة. لا ضير أن تساهم برامج خدمة المجتمع في صقل اسم الجامعة وتميزها، فهذا سيعود عليها بالربح غير المباشر، ولكننا ندعو إلى أن نسمي الأشياء بمسمياتها.

3. مراعاة القانون وحقل الاختصاص: لقد تحدثنا كثيرا عن تداخل المسئوليات والمهمات بين المؤسسات التشريعية والتنظيمية في مجال التعليم والتدريب، وأتمنى ألا نساهم من خلال إرساء الممارسات الخاطئة في زيادة الطين بلة. تقوم وزارة العمل بإرجاع طلبات المعاهد لتقديم البرامج الأكاديمية إلى مجلس التعليم العالي لضمان احترام حقل التخصص في القانون، اذ إن وزارة العمل ترى أنها ليست الجهة المختصة لإصدار هذا النوع من التراخيص.

وعليه نرجو من مجلس التعليم العالي أن يراعي الحدود ذاتها بإرجاع طلبات الجامعات في عقد البرامج التدريبية القصيرة لوزارة العمل للبت فيها، وإلا أصبحنا في حيص بيص. ومن حق معاهد التدريب أن تطالب وزارة العمل بترخيص البرامج الأكاديمية التي ترغب في تقديمها تبعا لمبدأ العدالة، فإذا كان مجلس التعليم العالي يرخص برامج تدريبية للمؤسسات الأكاديمية التابعة له، فلماذا لا تقوم وزارة العمل بترخيص برامج أكاديمية للمعاهد التدريبية التابعة لها؟ هذه سنة غير حميدة يجب أن نبتعد عنها، وانني أدعو رئيس مجلس التعليم العالي وأعضاءه الكرام للتنبه لها، وإلا فلا حاجة لنا بالتشريعات والقوانين التي تحدد جهة الاختصاص.

ان أحد أهداف قانون التعليم العالي هو احتواء تنظيم إنشاء الجامعات الأهلية/ الخاصة لتطوير ما تقدمه من دراسات أكاديمية تليق وسمعة البحرين الساطعة عبر السنين في مجال التعليم بمنطقة الخليج العربي.

نتمنى أن ينجح مجلس التعليم العالي في جعل الجامعات البحرينية الخيار للمتفوقين والمتميزين، وكذلك نتمنى أن ينجح هذا المجلس في تحسين سمعة التعليم الخاص بالمملكة، ولكم في بعض القرارات التي تناقلتها وسائل الأعلام عبرة، حيث قامت بعض الدول الخليجية بتقنين أعداد الطلاب المسجلين بالجامعات البحرينية، هذا بعد تدفق الأعداد الكبيرة من أبناء الدول المجاورة للتسجيل في جامعاتنا الخاصة. ولمعرفة أسباب هذا التدفق نطالب بإحصائية تبين عدد الطلاب غير البحرينيين المسجلين بالجامعات الخاصة ومعدلاتهم في الثانوية العامة. نحن نعلم أن جامعاتنا الخاصة تزخر بكفاءات وقدرات تعلمنا جميعا على أيديها، ولكننا نحتاج لأن نعترف بأننا فقدنا الاتجاه في السنوات القليلة الماضية وعلينا التركيز. وإن السماح للجامعات الخاصة بتقديم برامج تدريبية قصيرة تشجيع على مزيد من الانحراف وفقدان الاتجاه الصحيح وعدم التركيز على البرامج الأكاديمية التي تحتاج إلى الكثير من الجهد في الجامعات الخاصة لتطويرها وصقل سمعة البحرين وإعادة الأمجاد المفقودة.

نتمنى أن نرى ما عودنا عليه المسئولون في مملكتنا الحبيبة، نتمنى أن نرى الحوار والنقاش الهادئ البعيد عن المصالح الشخصية. فكلنا أبناء هذا البلد وجميعنا لنا مصالح خاصة ولكن تبقى مصلحة مملكتنا هي الظل المتوارث الذي ننضوي تحته ومن خلاله لبلوغ أهدافنا السامية.

إقرأ أيضا لـ "عبدعلي محمد حسن "

العدد 2131 - الأحد 06 يوليو 2008م الموافق 02 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً