قرر النمساوي تزفيطان تودروف، ذات وقت، أن يعيد قراءة التعليم في فرنسا، بعد أن شعر بالإحراج من أبنائه، ذلك أنه كلما قدم إليهم نصائحه غداة الاختبارات لا يحصلون إلا على درجات دون المتوسط، واكتشف تودروف بعد بحثه في المناهج التعليمية أن هذه الأخيرة لم تعد تأبه بمحتوى الأعمال الأدبية وإنما صارت تلقّن الطلاب بنية هذه الأعمال لا غير، وتنبّأ تودروف بأن هذه المناهج ستسوق إلى طريق مسدود، لا وجود فيه لعشاق الأدب، وبناء على هذه القناعة أطلق صرخة فزع ترجمها في كتابه «الأدب في خطر».
وذات وقت أيضا سئل نجيب محفوظ ، كيف تعلم الكتابة الأدبية، فأجاب أنه لم يتعلمها بل إنه لم يكن يدرك حتى أنه كان يطبق قواعد البنية السردية.
لابد أن تودروف لما أطلق هذه الصرخة خاف على الأدب من أن ينتهي بموت الأدباء الموجودين الآن، لابد أنه خاف على الأدب أن يندثر، كما اندثرت حضارات كبيرة.
وبين تودروف الذي خاف على مستقبل المعاني الجميلة والتعابير المنمقة وبين نجيب محفوظ الذي لم يعبأ بالبنية السردية في الكتابة فجاءت نصوصه مستجيبة لها حتى أنها درّست لطلبة الجامعات الأدبية، بينهما يطرح تساؤل ملح، هل بات ضروريا أن يتعلم هؤلاء الكتابة لا فقط بنيويا وأسلوبيا وإنما أيضا على مستوى الجمالية اللغوية والأناقة التعبيرية، أم أن الكتابة الأدبية لا تزال موهبة، قد تتعزز بالدراسة ولكنها لا تكتسب ولا تلقن؟
لا يمكننا البتة إنكار وجود أدباء شبان على قدر من الحصافة والإبداع، لكن في الوقت ذاته لا يمكننا أن نتغاضى عن التصريح بل والاعتراف بتراجع المجال الأدبي، أو لنقل كما ذهب إليه تودروف، المحتوى الأدبي.
وعلى الرغم من أن البلاد العربية لا تخلو من مهرجانات تخصص للإبداع الأدبي إلا أننا لا نتذكر أن أديبا شابا قد ذاع صيته، وجذبت كتاباته الاهتمام إليها، أقله خلال العقد الماضي.
قد تكون عجلة الإنتاج الأدبي لم تتوقف عن الدوران ولكنها تدور بسرعة لا تراعى فيها الجودة والإبداع في المنتوج الأدبي.
العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ