إذا كانت مجمل التجارب الإصلاحية في الدول العربية قد بدأت مجتمعة في العام 2002، فإنها على الأقل تفرقت لتكون في بوتقتين اثنتين، الأولى كانت تحت الحواضن الوطنية ومنها البحرين، والأخرى تحت مطرقة الولايات المتحدة ومشروعها الكبير لدمقرطة الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق بالطبع.
وعلى اختلاف البوتقتين كان لمجمل هذه الإصلاحات السياسية في مختلف الدول العربية مع مطلع هذا العام 2008 أن تجتمع من جديد في أنها جميعا أخفقت. يعيد الأمين العام المساعد للمنظمة العربية لحقوق الإنسان محسن عوض هذه الإخفاقات إلى أن جميع هذه الإصلاحات كانت فاقدة للصلة مع الزمن، وأنها «انطلقت من منطق وصاية، فبعض الحكومات تحدثت عن جرعات يتحملها المجتمع حتى لا تحدث فوضى، وأخرى حذرت من أن الانتخابات يمكن أن تفضي إلى وصول أميّين لا يعرفون القراءة والكتابة لمقاعد الهيئة التمثيلية، وأن الحكام سيكونون في خدمة شعبهم عندما يكون المجتمع مستعدا لهذه الخطوة».
ويضيف «أن معظمها لم يمسّ القضايا الجوهرية، لم يرد أحد وضع نهاية لقوانين الطوارئ، أو طرح توجه عام نحو مبدأ تداول السلطة، أو إلغاء إشكال القضاء الاستثنائي، أو معالجة تضخم الأجهزة الأمنية التي لجأ أحدها إلى استبدال شعاره من (الشرطة في خدمة الشعب) إلى (الشعب والشرطة في خدمة القانون)». وأنها «مضت هذه الوعود والإصلاحات بمحاذاة المشاريع الدولية للإصلاح بأكثر من مراعاة احتياجات النهوض الفعلي واستبانات الرأي العام، وأخيرا وهي الخاصية التي انطوت على مفارقة ظاهرة أخرى يمكن وصفها بأنها «إصلاح من دون إصلاحيّين».
وخلاف أن تكون بعض الإصلاحات السياسية هنا أو هناك قد أتاحت بعض الحريات الفردية، وعززت من مقاومة حركات التطرف الإسلاموية، فإن أيا منها لم ينته لأنظمة ديمقراطية حقيقية، وخصوصا أن هذه الإصلاحات في معظم البلدان العربية تراجعت عن وعودها وأهدافها وطموحاتها التي أعلنتها سابقا، حين أدركت أن موجة الدمقرطة الإجبارية مرّت من الشرق الأوسط بسلام، وأن الأميركيين تحديدا لم يعودوا مكترثين/ لا يريدون أصلا أن يكون ثمّة شرق أوسط ديمقراطي بعد تجربة العراق التي لاتزال تثير من الجدل الكثير. محصلة معظم الإصلاحات العربية لا تزيد على «الصفر»، حاصل جمعها ومجموعها فيما وصلت له الخبرة الإنسانية من مجتمعات ونظم ديمقراطية «صفر». تستطيع النظم السياسية العربية أن تدّعي دخولها عهود إصلاحات سياسية هي في غالبيتها مسرحيات كذب وخداع، ولكنها ستبقى عاجزة أن تخرج بصورة واحدة من صور الديمقراطيات الحديثة حين يتجلى أي من المواقف التي تُختبر فيها الديمقراطيات بصدق ليكشف عنها لثام الكذب والتزييف. وعليه، لا تكون محصلة ما لدينا عربيا من مشروعات إصلاح أكثر من مشروعات تلفيق ديمقراطية صنعتها ضغوط المرحلة التي انتهت ببقاء الحال على ما كان عليه، وربما أقسى مما كانت عليه الحال قبل الإصلاح، وأَمرّ.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2126 - الثلثاء 01 يوليو 2008م الموافق 26 جمادى الآخرة 1429هـ