العدد 2123 - السبت 28 يونيو 2008م الموافق 23 جمادى الآخرة 1429هـ

الخط الأحمر

حسين خميس comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انتشرت في أوساط المجتمع البحريني عبارة الخط الأحمر، حيث أصبحت متداولة منذ دخول البحرين في مرحلة الإصلاح الديمقراطي الذي سمح بتعدد الآراء والمشاركة الشعبية في القرارات.

الخط الأحمر مصطلح يستخدمه البحرينيون على مختلف مستوياتهم وانتماءاتهم الدينية والسياسية للتعبير عن تجاوز أمر ما يمس ما يرتبطون به عقائديا أو فكريا. الخط الأحمر الوهمي تم اختياره للتعبير عن استعداد الفرد أو الفئة بالتضحية بالدم لعدم تجاوزه، وتحديد الخط الأحمر ربما يختلف من شخص أو فئة إلى أخرى، بمعنى آخر هو أمر نسبي فما يعتقد أو يؤمن به شخص ما ربما لا يعتبر بالنسبة له خط أحمر بينما آخر لا يسمح للآخرين بتجاوزه لأنه خط أحمر، لذلك تحديده ربما يكون صعبا ويحتاج إلى تفاهمات مشتركة، ولو تم تحديده مثلا فلن يكون هناك إجماع عليه لأنه كما سبق هو أمر نسبي، ولا يعني ذلك أن يترك الحبل على الغارب في أن يقوم شخص ما بتحديده وتعريفه للكل متجاهلا فئة أخرى أو أشخاص معينين لأن اللغة المستخدمة فيه هو الدم وهذا ما لا يرتضيه المجتمع وتأثيره على الكل. ولكن هناك مشتركات اتفق عليها العقلاء في التحديد ينبغي أن نذكّر بها في مسعى لحفظ المجتمع الواحد:

أولا: النفس والعرض والشرف: عرض الإنسان وشرفه وحفظ نفسه خط أحمر لا يجوز تجاوزه مهما تعدد الاختلاف في العقيدة أو الانتماء بأنواعه، فمن لم يكن لك أخا في الدين فهو أخ لك في الخلق. والتعدي عليها أيا يكن مصدره مرفوض سواء صدر من فرد أو جماعة، ورسولنا الكريم (ص) لنا أسوة حسنة عندما أمر المسلمين بعدم التعدي على الكفار في حال الحروب وحفظ كرامتهم فكيف في حال السلم. ومما يؤسف أن الأمة العربية والإسلامية أشد ابتلاء بهذا التعدي وما تعانية بعض الدول المجاورة لهو خير دليل.

ثانيا: العقيدة الإسلامية: التعدي على عقيدتنا الإسلامية بكل مفرداتها ومصاديقها خط أحمر لا يسمح بتجاوزه من أي فرد كان ومن أي مذهب أو دين وعقيدة، وهو مقدم على كل ما يهم المسلم من أمور أخرى، ومن هذا الباب شرع الجهاد من أجل حفظ بيضة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن الإسلام واجب مقدس في كل زمان ومكان إذا توافرت شروطه. ومن الأسف ما بلغ بحال الأمة الإسلامية من تفكك واختلاف جعل من السهل التهجم على الإسلام من أعداء الأمة. والأسف كل الأسف عندما يشاهد أن هناك من يدعون الإسلام أنهم أعداء له ولتعاليمه عندما يخالفونه ويعادونه بطريق غير مباشر، ويشوهون صورته بتصرفاتهم وأفكارهم السوداء التي لا تعكس إلا تخلفا وخروجا عن تعاليم العقيدة السمحاء. وباعتبار أن الاختلاف بين المسلمين أمر واقع فقد دفع البعض إلى الاعتقاد أنه على صح والغير على ظلال ما ساهم في تأزيم حال التوحد بين الطوائف الإسلامية بشكل عام وساهم ذلك في خلق النزاعات التي تحدث بين المسلمين أنفسهم في بعض بقاع العالم الإسلامي.

ثالثا: الوحدة الوطنية: المساس بالوحدة الوطنية بكل تفاصيلها التي تعيشها المجتمعات المتحضرة خط أحمر لا ينبغي تجاوزه لما له من مخاطر وتأثيرات تطال أبناء المجتمع الواحد مهما تعددت توجهاتهم وانتماءاتهم بكل صورها. وقد دأبت الحركات الاستعمارية والقوى الشيطانية العالمية قديما وحديثا إلى تفكيك المجتمعات عن طريق ضرب الوحدة الوطنية بطرق مختلفة. والتعبير عن الوحدة الوطنية يختلف من شخص إلى آخر، ولكن من الخطأ الجسيم من يصف الآخرين بعدم الانتماء للوطن عندما يقع الاختلاف في التوجهات والأفكار والمعتقدات، لأن الانتماء لا يمكن قياسه بأمر ملموس، فهناك من يعبر عن انتمائه بأفكاره وجهوده وعمله، وهناك من يعبر عن الانتماء بحرصه في الحفاظ على هويته ومشاركته أبناء مجتمعه من دون تفريق لإحساسه بالانتماء لهم. ولا يضر مبدأ الوحدة الوطنية ما يصدر عن الشخص من إعجاب بشخصية معينة سواء كانت وطنية أو خارجية أو بدولة ما أو بقيادة شخص أو مجموعة، كما لا يضر توجيه النقد البناء لهذه الشخصية في حال عدم مساسها بالوحدة الوطنية وكذا الحال إبداء الرأي في موضوع معين يمس شريحة واسعة من الناس.

رابعا: الرموز: وهو لب الاختلاف الحاصل في بعض المجتمعات حاليا وسيستمر إلى ما لا نهاية إلا إذا حصل توافق في تحديد الرمز ومحاسبة من يتعدى على هذا التوافق. وتحديد الرمز أمر صعب لاختلاف التوجهات وضعف الثقة في الآخر. وما يؤمن به شخص أو فئة بأن هذا الشخص يعتبر رمزا لا يجوز المساس به أو الاقتراب منه يعتبر الآخر أن هناك أيضا رمزا لا يقل أهمية من هذا الرمز لا يجوز التعرض إليه. ولكن المشترك العام في معرفة الرمز لا تغيب عن العاقل والمدرك للأمور فالمساس مثلا بعلماء الدين تجريحا أمر لا يقبله الشرع وكذا الحال بالرموز السياسية والقيادية والاجتماعية. والنقد البناء لأي رمز أمر مقبول ويجب القبول به في حدود التقيد بالتعاليم الإسلامية أو العادات والتقاليد العربية العربية المبنية على مبدأ الاحترام المتبادل.

ما ينبغي تداركه قبل فوات الأوان وقبل اختلاط الأوراق هو تعزيز الثقة في الآخر، واحترام التوجهات والانتماءات الدينية والسياسية وخلق ثقافة الحوار المتسامح بين أفراد المجتمع الواحد والتناصح والابتعاد عن لغة التخوين والتهجم على الآخرين.

إقرأ أيضا لـ "حسين خميس"

العدد 2123 - السبت 28 يونيو 2008م الموافق 23 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً