وجه العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز أنظار قادة صناعة النفط وأسواقها الذين شاركوا في قمة جدة ويمثلون 36 دولة و22 شركة نفط نحو مجموعة من القرارت الاستراتيجية التي ربما تناولوها في منتديات مشابهة، لكنها اكتسبت أهميتها بفعل عوامل منها أنها تصدر من رئيس دولة، تحتل بلاده الصدارة في توجيه حركة الأسواق النفطية، وتطرق القرارات لموضوع أسعار النفط بمشاركة قطبي العلاقة التي تحدد كميات إنتاجه، ناهيك عن أسعاره، وإطلاق مبادرة «صندوق الطاقة للفقراء» التي تبقى، خطوة إيجابية في تحسين صورة وعلاقات العرب مع البلدان النامية، وإمكانية أن تتحول القمة إلى ما يشبه اللقاء الدوري الذي ينظم العلاقة، بين اللاعبين الأساسيين في سوق الطاقة.
لكن على رغم الأهمية التي تتمتع بها تلك القرارات بالنسبة إلى كل الأطراف... لا أدري ولسبب خفي سيطرت صورة عبدالله محمد الطريقي، طيب الله ثراه، على مشاعري وأنا أتابع وقائع جلسات القمة. وبوسع من يريد أن يعرف تفاصيل عن سيرة حياة الطريقي من الأجيال العربية الشابة، العودة إلى الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت وعنوانه «عبدالله الطريقي الأعمال الكاملة»، الذي قام بتحريره الخبير النفطي العربي وليد خدوري، أو العودة للكتاب الذي ألفه محمد بن عبدالله السيف، والمعنون «عبدالله الطريقي... صخور النفط ورمال السياسة»، الصادر عن دار الريس اللبنانية في العام 2007، وهو عبارة عن عمل تاريخي موثق يقع في نحو 600 صفحة تناول فيه سيرة أول وزير للنفط في السعودية، لكننا وفي هذه العجالة بوسعنا أن نلقي الضوء على بعض المحطات المضيئة في سيرة الراحل الكبير.
المحطة الأولى، كانت تقدمه لامتحان قبول البعثة ليلتحق بكلية العلوم بجامعة الملك فؤاد متخصصا في الكيمياء والجيولوجيا في العام 1938، وليس أي تخصص علمي آخر، والعود إلى الوطن كي يعمل لسنتين، يلتحق بعدهما بجامعة أوتاوا في أوستن بولاية تكساس كأول مبتعث سعودي لأميركيا لدراسة الماجستير في الهندسة الجيولوجية.
المحطة الثانية، كانت التحاقه، بعد العودة من أميركا في العام 1948، للعمل في شركة «أرامكو»، التي تأسست في ذلك العام، دون أن يختار مكانا عمل آخر، الأمر الذي مكنه، بفضل خلفيته العلمية، وعمله الإداري، من الاطلاع ومراقبة، حسابات الحكومة والدخل النفطي من الشركة في الظهران حيث تكشفت له الكثير من الخبايا التي تؤثر على مصالح الحكومة السعودية ووضع يديه على الألاعيب التي كانت تقوم بها الشركة حينذاك، ومن ثم يختلف معها كما يذكر محمد سيف.
المحطة الثالثة، كانت توليه أول وزارة للنفط في المملكة. وتولى تلك الوزارة في وقت كان النفط، وصناعته وأرقامه تعتبر من قدس الأقداس المحظورة على أبناء البلدان المنتجة له، وحق مكتسب للشركات الأجنبية المالكة، وبشكل مطلق، لحق اتخاذ القرارت بشأنه. وكانت مواقف الطريقي الوطنية الجريئة السبب المباشر وراء اضطراره لترك المنصب الوزاري في العام 1962، وربما مغادرته البلاد كي يعيش متغربا بسبب مواقفه النفطية الجريئة، التي كانت تعتبر ما يشبه الثورة حينما نضعها في إطارها التاريخي الصحيح.
المحطة الرابعة، كانت دعوات الطريقي ومساهمته المباشرة في التأسيس لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقاته مع الكارتيلات النفطية، التي أدركت، قبل سواها، وفي مرحلة مبكرة، خطورة «أوبك» على مصالح تلك الشركات النفطية، والتي أثبتت في حينها، وإلى يومنا الحاضر، مستقبلية فكر الطريقي، وبعد نظره.
المحطة الخامسة، تأسيسه مع زميله نيقولا سركيس، في بيروت ومن عمارة السديكو في منطقة رأس بيروت، مجلة «النفط والغاز العربي»، التي كانت اللسان الحر الناطق بلسان المواطن العربي. ويكفي أن نعرف أن شعارها، وفي الستينيات من القرن الماضي - وربما نحن في أمس الحاجة إلى شعار قريب منه اليوم ليس في النفط فقط - كان «نفط العرب للعرب».
واليوم، والحالة المتردية التي نعيشها نحن العرب، دع عنك واقع النفط العربي، فنحن أحوج ما نكون فيه إلى طريقي جديد يملك الخلفية العلمية والمؤهل الأكاديمي، والغيرة الوطنية، والجرأة الإنسانية، التي بوسعها أن تميز بين الأسود والأبيض، أو الغث والسمين في محيط الواقع العربي الآسن.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ