اكتسب هذا العام أهمية خاصة بالنسبة لواقع ومستقبل العلاقات الصينية - الأميركية، فأحد عوامل نجاح بناء أية علاقات مثمرة بين طرفي الحوار رهن، بشكل أساسي، بتساوي نضج وحرية، كل طرف على حدة، في اتخاذ القرار ودرجة حماسه في تنفيذه.
ومن يطالع خارطة واقع البلدين يكتشف وجود خلل في قنوات الحوار مصدره الاختلال الواضح في درجات الحرية والنضج هذه. على الجهة الأولى نجد أن يد واشنطن مغلولة تكبلها الأزمات الداخلية والخارجية، وتمنعها، حتى وإن هي أرادت من حرية الحركة إزاء قرارات واتفاقات استراتيجية من نمط العلاقات مع الصين.
فعلى الصعيد الداخلي، وبالنسبة لواشنطن، هناك الأزمة الاقتصادية المحدقة بالسوق الأميركية، والتي تبدأ بتزايد العجز في الموازنة الأميركية، وتعرج على تدهور سعر الدولار أمام العملات العالمية الأخرى وخاصة الين الياباني واليورو الأوروبي، ولا تقف عند أزمة العقار وشحة مصادر الطاقة، وجميعها مشكلات بنيوية، ليس من السهولة بمكان الخروج بسهولة من أي منها، دع عنك جميعها. الأمر الثاني على الصعيد الداخلي، هو أن هذا العام هو عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه، نشر حالة شبيهة بالشلل تصاب بها دوائر صنع القرار الأميركي لحين إعلان نتائج تلك الانتخابات.
ومما يتسرب إلى المؤسسات الإعلامية، فإن هناك شبه انقسام عمودي في الدوائر الانتخابية، مما يعقد من العملية الانتخابية من جهة، ويعزز من تأثيراتها السلبية على قدرات دوائر صنع القرار من جهة ثانية. أما على الصعيد الخارجي، فهناك تورط - وليس فشلا كما يحلو للبعض أن يصفه - التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان والعراق، ومعركتها حامية الوطيس مع طهران حول موضوع المفاعل النووي، وجميعها تعتبر من أولويات جدول السياسة الخارجية الأميركية، التي من الطبيعي أن تستنفذ نسبة عالية من اهتمامات الخارجية، الأمر الذي ربما لا يضع العلاقات مع الصين في أعلى درجات سلم تلك الأولويات.
هذا الشلل النسبي الأميركي، يقابله حماس مناقض صيني، الأمر الذي يحدث عدم التوازن بين طرفي الحوار الذي أشرنا إليه. فهذا العام 2008، يصادف العام الثلاثين لسياسة الانفتاح الذي دشنتها الصين في نهاية السبعينيات، بما فيها خطوات حوار السلام مع الولايات المتحدة، ولذا ترغب الصين في أن تثبت للعام، لما فيه الولايات المتحدة، صواب خياراتها وصحة سياسات نقل تلك القلالات إلى حيز التنفيذ. ومن المتوقع أن تعقد اللجنة المركزية للحزب مؤتمرا لإحياء الذكرى السنوية الثلاثين للإصلاح والانفتاح الصيني، ولتلخيص التجارب التاريخية بصورة شاملة في هذه الفترة، وتقديم خطط استراتيجية ملموسة لدفع حيوية نظام وآلية التنمية العلمية لتحقيق هدف بناء مجتمع الرفاهية الشاملة العام 2020.
ومن الطبيعي أن يثار هنا تساؤل حول مسار وآفاق تلك الحوارات الاستثمارية، وليس هناك من بوسعه أن يحدد مسارها من قراءة سريعة لمستقبل اقتصاديات البلدين، بقدر ما يمكن استخدامها كأحد المؤشرات القوية. حاليا يعادل اقتصاد الولايات المتحدة ضعف حجم اقتصاد الصين. لكن، وكما يرى البعض؛ علي هادي الشكراوي: http://www.asharqalarabi.org.uk/mu-sa/b-mushacat-504.htm)، إذا ما حقق الاقتصاد الأميركي «نموا بمعدل 2 في المئة سنويا، وحقق اقتصاد الصين نموا بمعدل 6 في المئة سنويا فقد يتساوى اقتصاد البلدين في وقت ما بعد العام 2025، وحتى مع هذا فلن يتحقق التساوي بينهما من حيث البنية أو الحنكة الاقتصادية، فسوف تظل مناطق كبيرة من الريف في الصين متأخرة، ولن تتساوى الصين مع الولايات المتحدة من حيث دخل الفرد قبل العام 2075».
لكن هناك بعض التوقعات الأكثر تفاؤلا من ذلك، وهي مبنية على إحصاءات مستقاة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نشرتها صحيفة «الأهرام» القاهرية على موقعها على الإنترنت (http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/READ80.HTM ). ترى هذه الإحصاءات أنه لو «استقر معدل النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، اليابان، الصين وروسيا على 3 في المئة، 2.5 في المئة، 2.5 في المئة، 8 في المئة و3 في المئة على التوالي، فإنه بحلول العام 2010، سيصل الناتج المحلى الإجمالي إلى 10.831 تريليونات، 12.1918 تريليون، 7.4008 تريليونات، 2.864 تريليون و598.7 مليار دولار أميركي. وكما يتضح، فإن الصين تتمتع بأسرع معدل للنمو ضمن الدول الخمس». ويمضي التقرير مضيفا أنه «في العام 1996، قدر الناتج المحلى الإجمالي للصين بنحو 11.4 في المئة، 9 في المئة و15.6 في المئة من معدل النمو التنموي للولايات المتحدة الأميركية، أوروبا واليابان ولكن في العام2010 سيصبح المعدل 24.8في المئة، 22 في المئة و36 في المئة على التوالي وبقياس تعادل القوة الشرائية، فإن مؤشر الاقتصاد الصيني سيصبح بين المؤشرات الكبرى في العالم».
من جهة أخرى وعلى نحو مستقل يتوقع تقرير صادر عن البنك الدولي لإعادة الهيكلة والتنمية، أنه «بعد 25 سنة، فإن الناتج المحلى للصين سيصعد ليصل إلى 20.004 تريليون دولار أكثر من الولايات المتحدة الذي يبلغ الناتج المحلى الإجمالي لها (13.47 تريليون دولار)».
هذه الأرقام تميل كفة القوة نحو آسيا، وخصوصا الصين، وعندها ستصبح توقعات البعض بتحول موازين القوى من الغرب إلى آسيا حقائق ينبغي التنبه لها من الآن حين الشروع في نسج التحالفات الاستراتيجية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ